"أميل" ظلت تحظر وتحرق، ولكن رمادها أعان على بث أفكارها. وتقلصا الرقابة الدينية حتى انتهى بها الأمر إلى الإقارا بالهزيمة في صمت. وإذا اضطر أبناؤنا يوماً إلى خوض معركة تحرير الفكر من جديد، وهو أمر يبدو جائزاً، فليلتمسوا الإلهام والتشجيع في كتب فولتير التسعة والتسعين. ولن يجدوا فيها صفحة واحدة تبعث على الملل.
[٢ - خاتمة روسو]
١٧٦٧ - ١٧٧٨
أ - روح المعذب
حين وصل روسو إلى فرنسا في ٢٢ مايو ١٧٦٧ بعد مقامه التعس في إنجلترا، وبعد أن أشرف على الجنون، وجد بعض العزاء في الترحيب الذي لقيه من المدن التي اجتاز بها هو وتريز. ومع أنه سافر متخفياً تحت اسم جان- جوزف رينو، وكان لا يزال من الناحية القانونية خاضعاً للحظر الذي صدر ضده في ١٧٦٢، إلا أن القوم تبينوه وكرموه، واستقبله أميان استقبال الظافرين، وأرسلت له مدن أخرى "نبيذ المدينة".
وعرض عليه كثير من الفرنسيين- وكلهم من النبلاء- بيتاً يقيم فيه. أولهم ميرابو الأب، الذي خيره بين عشرين ضيعة، فاختار روسو فلوري- سو- مودون، القريبة من باريس. ولكن المركيز ألح عليه إلحاحاً مزعجاً ليقرأ كتبه، فهرب روسو، ولجأ إلى لوي- فرانسوا البوربوني، أمير كونتي، في ترييه- لو- شاتو، القريبة من جيزور (٢١ يونيو ١٧٦٧). ووضع الأمير القلعة بأسرها تحت تصرف جان- جاك، بل إنه أوفد الموسيقيين ليشنفوا أذنيه بالموسيقى الهادئة؛ وفسر روسو هذا بأنه اتهام له بالجنون، وخامره الظن بأن شوازيل والكونتيسة بوفليه (خليلة الأمير) انضما إلى فولتير، وديدرو، وجريم، في التآمر عليه؛ والواقع أن فولتير كان قد اتهمه بإشعال النار في المسرح بجنيف، الذي احترق وأصبح أنقاضاً في ٢٩ يناير ١٧٦٨ (٤٥). واعتقد روسو أن كل من في جيزور ينظر إليه كأنه مجرم. وتاق إلى العودة لجنيف، وكتب إلى شوازيل يرجوه إقناع مجلس جنيف بأن يكفر لروسو عن الإساءات الماضية التي ألحقها به (٤٦).