وانتقل رأساً من النهضة إلى التنوير، وربما كان هذا أحد أسباب العنف الشديد التي رافق التغيير، إذ لم يكن هناك فترة توقف عند البروتستانتية. وقد شعر بعض المتحمسين أن حركة التنوير في جملتها كانت إصلاحاً أعمق من ذلك الذي أحدثه لوثر وكلفن، لأنها لم تكتف بتحدي مغالاة الكهانة والخرافة فقط، بل تحدت صميم أسس المسيحية، لا بل كل العقائد فوق الطبيعية. وقد جمع فولتير في صوت واحد كل ضروب الفكر المناهض للكاثوليكية، وأضفى عليها مزيداً من القوة بفضل الوضوح والتكرار وخفة الروح، حتى لقد بدا حينا كأنه قد هدم الهيكل الذي ربي فيه. وقد حركت جماعة الفلاسفة الطبقات المفكرة في العالم المسيحي كله صوب ربوبية مهذبة أو إلحاد مستتر. وتأثير جيل جوته من الشباب في ألمانيا بفولتير تأثراً عميقاً وذهب جوته إلى أن "فولتير سيعد دائماً أعظم رجل في أدب العصور الجديدة، بل ربما جميع العصور"(٤٤). وفي إنجلترا أحست أقلية لامعة بتأثير فولتير-جودوين، وبين، وماري وولستونكرافت، وبنتام، وباريون، وشلي؛ ولكن يمكن القول عموماً إن الربوبية الإنجليزية سبقته فقللت من حدة تأثيره، ثم أن السادة الإنجليز شعروا بأنه ليس هناك عقل مثقف يرضى بالهجوم على دين يهب مثل هذا العزاء المهدئ للطبقات الأضعف والجنس الأضعف. أما في أمريكا فإن الآباء المؤسسين كانوا كلهم تقريباً تلاميذ لفولتير. وهناك وفي إنجلترا غطى تأثير داروين والبيولوجيا الحديثة على تأثير فولتير في إضعاف الإيمان الديني، وفي عصرنا هذا يعاني اللاهوت المسيحي أكثر ما يعاني من وحشية حروبنا التي لا نظير لها، واقتحامات العلوم الظافرة التي تغزو تلك السماوات التي كانت يوماً ما مسكن الآلهة والقديسين.
ونحن مدينون لفولتير أكثر من أي إنسان آخر بذلك التسامح الديني الذي يسود الآن أوربا وأمريكا الشمالية سيادة فلقة. ولقد رأى فيه أهل باريس لا مؤلف الكتب الفاصلة بين جيلين، بل المدافع عن كالاس وسرفان, ولم تجرؤ محكمة في أوربا بعده على تحطيم جسد رجل على دولاب التعذيب لتهم وأدلة كتلك التي أدانت جان كالاس. صحيح أن كتباً مثل