من الحقائق الجديرة بالملاحظة أن هذا العهد الذي استغرقه اللاهوت والثقافة المدرسية قد أنجب رجلين لهما أرفع مقام في تاريخ العلم-كوبرنيق وفيزاليوس، ومن العجيب أن الكتب التي احتوت عصارة حياتهما قد ظهرت في سنة واحدة، هي "سنة العجائب" ١٥٤٣. لقد وكان بعض الظروف مواتيا للعلم. فاكتشاف أمريكا وارتياد آسيا، ومطالب الصناعة واتساع التجارة-كل هذا أثمر معرفة كثيراً ما ناقضت المعتقدات المتوارثة وشجعت التفكير الأصيل. وكان للترجمات من اليونانية والعربية، ولطبع كتاب أبوللونيوس "الأشكال المخروطية"(١٥٣٧) والنص اليوناني لأرخميدس (١٥٤٤)، الفضل في حفز العلوم الرياضية والفيزيائية. غير أن كثيراً من الرحالة كانوا كاذبين أو مهملين، ونشرت الطباعة العراء على نطاق أوسع من نشرها للمعرفة، وكانت الأدوات العلمية بدائية برغم تعددها. فالمكروسكوب والتلسكوب والترمومتر والبارومتر والمكرومتر والمكركرنومتر كلها كانت في ضمير الغيب. أما النهضة فقد ولعت بالأدب والأسلوب، واهتمت بالفلسفة اهتماماً مؤدباً، ولم تكد تكترث للعلم. حقيقة أن
(١) انظر الفصل ٣٠ في العلم الإسلامي، والفصل ٣٢ في العلم اليهودي، والفصل ١٩ من فصول النهضة في العلم الإيطالي.