بابوات النهضة لم يقفوا موقف العداء من العلم. فقد استمع ليو العاشر وكلمنت السابع إلى أفكار كوبرنيق بذهنين مفتوحين، وتقبل بولس الثالث في غير خوف إهداء كوبرنيق كتابه له، "كتاب الدورات" الذي زلزل العالم. ولكن رد الفعل الذي جاء في عهد بولس الرابع، وتطور محكمة التفتيش في إيطاليا، وقرارات مجمع ترنت القطعية، كل هذا جعل الدراسات العلمية شاقة خطرة بصورة متزايدة بعد عام ١٥٥٥.
ولم تستطع البروتستنتية أن تؤيد العلم، لأنها أسست صرحها على كتاب مقدس معصوم. ورفض لوثر فلك كوبرنيق لأن التوراة ذكرت أن يشوع أمر الشمس-لا الأرض-أن تقف. أما ملانكتون فكان ميالاً للعلم، فدرس الرياضيات، والفيزياء، والفلك، والطب، وحاضر في تاريخ الرياضيات في العصور القديمة، ولكن روحه السمحة غلبتها طبيعة أستاذه القوية وطغيان لوثرية ضيقة الأفق بعد موت لوثر. أما كالفن فلم يكن به كبير تقدم للعلم، وأما نوكس فلا تقدير على الإطلاق.
وظل مناخ مثبط من الإيمان بالمستور يحدق بعلماء الغد ويشوش أذهانهم بل يهدد سلامة عقولهم أحياناً كما حدث لكاردن وبارسيلسوس. فالسحر والكيمياء القديمة من مصر، والفيثاغورية والأفلاطونية الجديدة الصوفيتان من اليونان، والقبلانية من اليهودية، كلها حيرت مئات العقول المتلمسة طريقها. وغزت القصص الأسطورية وقصص المعجزات كتابة التاريخ الرسمي، وروى الرحالة حكايات عن تنانين تنفث اللهب وفقراء يتسلقون الحبال. وكاد يفسر كل حدث شاذ في الحياة العامة أو الخاصة بأنه ليس إلا تدبيراً من الله أو الشيطان لإنذار الإنسان أو تهذيبه، لفتنته أو تدميره. وآمن الكثيرون بأن