أسعدت ألمانيا بالموسيقى وتأثرت بها أكثر من أي أمة أخرى باستثناء إيطاليا. فالأسرة التي خلت من الآلات الموسيقية كانت شذوذاً وكانت المدارس تعلم الموسيقى تعليمها للدين والقراءة سواء بسواء تقريباً. وكانت الموسيقى الكنيسية آخذة في الاضمحلال لأن العلم والفلسفة، والمدن والصناعة، كانت تصرف العقول عن الدين إلى الدنيا، وظلت الترانيم اللوثرية العظيمة تجلجل، ولكن الأغنية أخذت تتحول من الكوارس الكنسية إلى الليدات والتمثيليات الغنائية والأوبرا. وقد افتتح يوهان بيتر شولتس عهداً جديداً في الأغنية ب "أغان في فوكستن"(١٧٨٢)؛ وبعدها حظيت ألمانيا بزعامة لا تنازع في استخدام الموسيقى في الشعر الغنائي.
وقد شجع التحسين الآلي الذي أدخل على البيانوا انتشار الحفلات الموسيقية وظهور مهرة العازفين على الآلات. وغزا العازفون أمثال يوهان شوبرت، وآبت فولجر، ويهان هومل، المدن الكثيرة بأدائهم الموسيقي. ففي ١٠ مارس ١٧٨٩ قام هومل الذي لم يتجاوز الأحد عشر ربيعاً بعزف على البيانو في درسدن؛ ولم يدر أن موتسارت سيكون بين السامعين؛ وخلال الحفلة رأى أستاذه السابق وتعرف عليه؛ فما إن فرغ من عزف قطعته حتى شق طريقه بين الجمع المصفق وعانق موتسارت في عبارات حارة تفيض بالولاء والبهجة (١٠٦). واكتسبت آبت (أعني آبوت، أي الأب الديني) فوجلر لقبه هذا برسامته قسيساً (١٧٧٣)؛ وفي مانهايم كان قسيس البلاط ومدير الموسيقى معاً. وكان في التأليف الموسيقي من أكثر كتاب القرن أصالة وتأثيراً؛ وفي العزف على الأرغن أثار غيرة موتسات؛ وفي التعليم كان صاحب الفضل في تكوين فيبر ومييربير؛ ثم أضحك مانهايم وهو ممثل للبابا يلبسه الجوار الطويلة الزرقاء وبحمله كتاب صلواته مع موسيقاه، وبجعله جمهوره أحياناً ينتظره ريثما يفرغ من صلاته.
وكان أوركسترا مانهايم الآن فرقة من ستة وسبعين موسيقياً منتقين،