ترى هل تؤيد الصورة العامة لأوربا في العصور الوسطى الاعتقاد بأن الدين يبعث على مكارم الأخلاق؟.
إن الصورة التي تنطبع في أذهاننا بوجه عام لتوحي بأن الثغرة الفاصلة بين نظرية الخلق الطيب وحقيقته في العصور الوسطى أوسع منها في أي عصر آخر من عصور الحضارة. ذلك أن العالم المسيحي في تلك العصور لم يكن يقل عنه في عصرنا اللاديني الحاضر امتلاءاً بالشهوات الجنسية، والعنف، وإدمان الخمر، والقسوة، والفظاظة، والدنس، والشره، والسطو، والخيانة، والتزوير. ويلوح أنه يفوق عصرنا الحاضر في استعباد الأفراد. ولكنه لم يكن يضارعه في الاستعباد الاقتصادي للأقاليم المستعمرة أو الدول المغلوبة. وقد فاقنا في إذلال النساء، ولكنه لا يكاد يضارعنا في عدم الاحتشام، وفي الفسق، والزنا، وفي الحروب الضروس، وفي كثرة من يقتلون فيها. وإذا وازنا بين مسيحية العصور الوسطى والإمبراطورية الرومانية من نيفرا إلى أوليوس، حكمنا أن هذه المسيحية قد رجعت بالناس إلى الوراء من الناحية الأخلاقية، غير أن كثيراً من أجزاء الإمبراطورية كانت في عهد نيرفا قد استمتعت بقرون كثيرة من الحضارة على حين أن العصور الوسطى تمثل في معظم مداها كفاحاً بين المبادئ الأخلاقية المسيحية والهمجية القوية التي كانت تحمل إلى حد كبير المبادئ الأخلاقية لدين لم تهتم هي بتلقي تعاليمه. ولقد كان يسع البرابرة أن يسموا بعض رذائلهم فضائل تستلزمها أحوال زمانهم، فعنفهم تطرف في الشجاعة،