فرنسا لينفق هناك آخر سني صراعه مع المرض واليأس. وهجره أصحابه القدامى لانهيار نفوذه السياسي وحدة طبعه. وأنهى موت زوجته الثانية (١٧٥٠) اهتمامه بشئون البشر، "في كل سنة ازداد عزلة في هذه الدنيا (٢٨) " وهذا عقاب الأنانية. وفي ١٧٥١ ابتلى بالسرطان الذي انتشر في وجهه فأملي وصية تتسم بالتقوى، ولكنه رفض أن يسمح لأي قسيس بالاهتمام بروحه (٢٩). ومات في ١٢ ديسمبر بعد ستة شهور من العذاب، بغير أمل لا لنفسه ولا للبشر. لقد أخذ اضمحلال الإيمان الديني يولد ذلك التشاؤم الذي سيصبح العلة الخفية التي تبتلي بها النفس العصرية.
[٣ - الدفع الديني]
أما المدافعون عن المسيحية فلم يقابلوا الهجوم الربوبي بأي استسلام أو هزيمة، بل إنهم على العكس من ذلك ردوا الهجوم بكل ما أوتي تندال أو مدلتن أو بولنبروك من قوة عارمة، وعلم واسع، وأسلوب مقذع. واعتمد المدافعون الأضعف شأناً، مثل تشاندلر أسقف لتشفيلد، ونيوتن أسقف لندن، على الحجج البالية، وهي أن اليهود كانوا ينتظرون في حرارة وشوق مجيء "المسيا" حين أتى المسيح، وإن كثيراً من النبوءات اليهودية تحققت على يديه؛ أو رجعوا-كما فعل شرلوك أسقف لندن وبيرس أسقف روتشستر-إلى الشواهد الكثيرة على قيامة المسيح. وركز شرلوك وغيره على أن الأدلة على معجزات المسيح غامرة ساحقة، وفيها كفاية لدعم ألوهية المسيح والمسيحية. وقال شرلوك إن رفض حدث توافرت الأدلة على صدقة لأنه يناقض تجربتنا عمل شديد الخطر، فعلى الأساس نفسه رفض سكان المدارين أن يؤمنوا بحقيقة الثلج. فإذا زعمنا أن الأشياء لا يمكن أن تكون غير ما عرفناها، "تجاوزنا أعلام حواسنا، وقامت النتيجة على الهوى لا على العقل (٣٠) ". وليس في إمكاننا التأكد من أن الإنسان لن يقوم من الأموات برغم تجربتنا الواسعة، الضيقة في حقيقتها. فانظر كم من العجائب التي نقبلها الآن على أنها أحداث عادية في حياتنا كنا من قبل نظنها بعيدة التصور!