سيجدونهم كلهم وبلا استثناء ميالين إلى الخداع والكذب كلما اقتضت ذلك مصلحة الدين (٢٢)".
وفي كتاب مدلتن عيوب كثيرة. فقد فاته أنه هو أيضاً زكى الخداع بالجملة دعماً للمسيحية، وغفل عن أن من التجارب الغريبة، كإخراج "المس الشيطاني"، أو كسماع القديس أنطونيوس للشيطان واقفاً ببابه، ما يمكن أن ينشأ عن قوة الإيحاء أو الخيال، وربما بدت هذه التجارب من قبيل المعجزات لمن رووها بأمانة. على أي حال كان من أثر هذا "التحقيق الحر" أنه سلّط على معجزات العهد القديم ثم على معجزات العهد الجديد، طرق النقد ذاتها التي طبقتها مدلتن على عصر آباء الكنيسة، وكان خصومه الكاثوليك محقين تماماً حين زعموا أن حججه من شأنها إضعاف كل الأساس الإعجازي للإيمان المسيحي. ولعل مدلتن قد قصد إلى هذا. ولكنه احتفظ بترقياته الكنسية إلى النهاية.
كان اعتناق بولنبروك للربوبية سراً مخفي وعدوى متفشية في الطبقة الأرستقراطية. ففي كتاباته التي حبسها عن النشر في حياته صوّب قدحه المفعم بالازدراء إلى جميع الفلاسفة تقريباً فيما عدا بيكون ولوك. فلقب أفلاطون بأبي الكذب اللاهوتي، وسمي القديس بولس "حالماً متعصباً" وليبنتز "مشعوذاً كيميائياً (٢٣)" والميتافيزيقيين "مجانين مثقفين" ووصف كل القائلين بتميز النفس عن الجسد بأنهم (٢٤) "معتوهون روحيون" وسخر من العهد القديم لأنه خليط من الهراء والأكاذيب (٢٥). ولقد صرح بإيمانه بالله، ولكنه رفض ما بقي من العقيدة المسيحية. فكل المعرفة عنده نسبية وغير يقينية. يقول: "ينبغي لنا دائماً أن نكون غير مؤمنين … ففي الدين، والحكم، والفلسفة، ينبغي أن نتشكك في كل شيء مقرر (٢٦)" وألقى وراء ظهره بآخر تعزيات الشكاك وهي الإيمان بالتقدم؛ فكل المجتمعات تمر بدورات "من النشوء إلى الفساد، ومن الفساد إلى النشوء (٢٧) ".
وفي ١٧٤٤ ورث بولنبروك ضيعة الأسرة في باترسي، وغادر