ما استعارة من سير شيشرون التي سبقته. وقد أبهج زملاءه القساوسة حين أرسل إلى إنجلترا "رسائل من روما"(١٧٣٩)، التي بين فيها بتفصيل ينم عن علم ودراية رواسب الطقوس الوثنية المتخلفة في مجموعة الطقوس الكاثوليكية-البخور، والماء المقدس، وآثار القديسين، والمعجزات، والقرابين المنذورة والأنوار القائمة أمام المزارات المقدسة، و "كبير الأحبار Pontifex Maximus" القديم الذي أصبح كبير أحبار روما Pontiff. وصفقت إنجلترا البروتستنتية للرسائل، ولكنها سرعان ما تبينت أن ولع مدلتن بالتاريخ يمكن أن يكدر صفو اللاهوت البروتستنتي كالكاثوليكي سواء بسواء. فلما دافع دانيال ووترلاند عن حرفية صدق الكتاب المقدس ووحيه رداً على تندال، أنذر مدلتن في "رسالة الدكتور ووترلاند"(١٧٣١) اللاهوتيين البروتستنت بأن تشبثهم بكل أساطير الكتاب المقدس باعتبارها تاريخاً فعلياً ليس إلا عملاً انتحارياً، لأن تقدم المعرفة سوف ينبذ أن عاجلاً أو آجلاً مثل هذه الخرافات ويُكره المدافعين المسيحيين على التقهقر في خجل إلى موقف أكثر تواضعاً. ثم لجأ مدلتن إلى حجة فضحت ما كان لدراسته للتاريخ من أثر في إيمانه الديني فقال:"حتى ولو كان اللاهوت المسيحي لا يصدق، فإن المواطن الصالح سيساند المسيحية والكنيسة المسيحية باعتبارهما درعاً للنظام الاجتماعي يوفر روادع ممتازة للهمجية الكامنة في طبيعة البشر (٢١) ".
وأخيراً أصدر مدلتن أهم أعماله، تحقيق حر في القوى الأعجازية المزعون أنها وجدت في الكنيسة المسيحية خلال العصور المتعاقبة" (١٧٤٨) -وهو كتاب عدّه هيوم بعد ذلك أسمى من مقالة المعاصر "في المعجزات" (١٧٤٨). وقد بدأ بالتسليم بحجية المعجزات المنسوبة في الأسفار القانونية من العهد الجديد إلى المسيح أو رسله، وأراد أن يظهر فقط أن المعجزات المنسوبة إلى آباء الكنيسة وقديسيها وشهدائها بعد القرن الميلادي الأول غير جديرة بالتصديق، ومجرد سرد تلك القصص يكفي للكشف عن سخفها. وقد أمّن بعض آباء الكنيسة على مثل هذه القصص وهم يعلمون زيفها؛ ونقل مدلتن عن موزهايم، المؤرخ الكنسي العلامة، تصريحه بالخوف من أن "الذين يبحثون بشيء من العناية كتابات أعظم وأقدس لاهوتيي القرن الرابع