وقد طوف تندال في غير ترفق بكل أوهام اللاهوت. فتساءل لم أعطى الله وحيه لشعب صغير واحد هم اليهود، وجعله حكراً عليهم أربعة آلاف سنة، ثم أ؟ رسل إليهم ابنه بوحي آخر ما زال بعد ألف وسبعمائة سنة مقتصراً على أقلية من الجنس البشري. فأي نوع من الآلهة يمكن أن يكون هذا الإله الذي استعمل هذه الطرق السقيمة بمثل هذه النتائج البطيئة الناقصة؛ وأي إله رهيب هذا الذي عاقب آدم وحواء على طلب المعرفة، ثم عاقب كل ذراريهم لمجرد أنهم ولدوا؟ يقول لنا أن السخافات التي يتضمنها الكتاب المقدس سببها أن الله وفق كلامه لغة سامعيه وأفكارهم. فيا له من هراء! لم لم يستطع أن يحدثهم بالحقيقة البسيطة بصورة مفهومة؟ ولم استخدم الكهنة وسطاء له بدلاً من أي يتحدث مباشرة إلى نفس كل إنسان. ولم سمح بأن يصبح دينه الموحي لشعب بعينه أداة اضطهاد، وإرهاب، وحرب، لا يخرج منه البشر بعد قرون من هذا التدبير الإلهي أكثر فضيلة منهم عن ذي قبل؟ -بل جعلهم في الواقع أشد ضراوة وقسوة مما كانوا في ظل العبادات الوثنية! أليس في كونفوشيوس أو شيشرون فضيلة أرفع مما في مسيحية التاريخ؟ إن الوحي الحقيقي موجود في الطبيعة ذاتها، وفي عقل الإنسان الممنوح من الله؛ والإله الحقيقي هو الإله الذي كشف عنه نيوتن، المهندس لعالم عجيب يعمل بعظمة وجلال وفق قانون ثابت؛ والفضيلة الحقة هي حياة العقل في انسجام مع الطبيعة، "فكل من ينظم ميوله الفطرية بحيث تؤدي إلى أقصى حد لاستخدام عقله، وصحة جسده، ولذات حواسه، مجتمعة كلها معاً (لأن في هذا سعادته) -له أن يثق بأنه لا يمكن أن يُغضِب خالقه الذي إذ يحكم كل الأشياء حسب طبائعها فهو لا بد يتوقع من مخلوقاته العاقلة أن تسلك وفق هذه الطبائع (٢٠) ". تلك هي الفضيلة الحقة، تلك هي المسيحية الحقة "القديمة قدم الخليقة".
وواصل كونيَرز مدلتن الهجوم من الزاوية التاريخية. فبعد أن تخرج في كلية ترنتي بكمبردج رسم قسيساً، وبينما كان يكيل الضربة تلو الضربة للأيمان السني، واصل الممارسات الخارجية للعبادة المسيحية. وقد كتب طرفاً من أفضل النثر في عصره، وكتابه "سيرة شيشرون"(١٧٤١) ما زال إلى اليوم سيرة رائعة رغم كثرة