للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الخامِس

[الطباع]

إذا كان هؤلاء الأقوام المتخاصمون الطائشون لا يزالون يخلبون عقولنا ويستدرون عطفنا، فما ذلك إلا لأنهم يسترون خطاياهم وعيوبهم المكشوفة بما طبعوا عليه من قوة المغامرة والذكاء التي تبعث البهجة في النفوس. لقد كان قرب البحر من الأثينيين، وما أتاحه لهم هذا القرب من فرص تجارية نادرة، وحرصهم على الحرية في حياتهم الاقتصادية والسياسية، مما جعل الأثيني إنساناً مرن العقل والطبع، سريع التهيج والحساسية إلى أقصى حد. ألا ما أعظم ما يتبينه الإنسان من تغير الطباع حين ينتقل من الشرق إلى أوربا، فهو ينتقل من الأصقاع الجنوبية الوسنانة إلى أقاليم وسطى في شتائها من البرودة ما يكفي لبعث النشاط دون ركود، وفي صيفها من الدفء ما يطلق القوى دون أن يضعف الجسم والروح. هنا يكون الإيمان بالحياة وبالإنسان، والتحمس للحياة تحمساً لا نجد له نظيراً قبل عصر النهضة.

من هذا الوسط المنبه المنشط تنبعث الشجاعة وتنبعث الثورة العاطفية البعيدة كل البعد عن فضيلة ضبط النفس (Saphrosyne) التي يدعو إليها الفلاسفة دون جدوى، وعن الرصانة التي يعزوها الشاب ونكلمان Winckelmann والشيخ جوته إلى اليونان العاطفيين القلقين. ليست المثل العليا لأية أمة من الأمم عادة إلا ستاراً يخفي عن الأعين الفاحصة حقيقة أمرها، ولذلك فإن الواجب يقضي بألا تعد من الحقائق التاريخية. إن الشجاعة والاعتدال - أو الرجولة (Andreia) وعدم الإفراط في شيء ما (Meden agan) إذا شئت الألفاظ التي نقشت على جدران معبد دلفي - شعار اليوناني؛ وهو يحقق أولهما في كثير