ومن وراء نهر الفرات أو دجلة كانت تقوم طوال تاريخ اليونان وروما تلك الإمبراطورية التي تكاد تكون خافية على العالم الغربي، والتي لبثت ألف عام تصد أوربا المتوسعة وجحافل آسية الهمجية، لا تنسى قط ما ورثته من مجد الأكميمينيين، وتنتعش على مهل مما أصابها في حروب البارثيين، وتحتفظ في زهو وخيلاء بثقافتها الأرستقراطية الفذة تحت حكم ملوكها الساسانيين الأشداء الشجعان، احتفاظاً أمكنها به أن تحول فتح المسلمين لإيران إلى نهضة فارسية جليلة الشأن.
وكان لفظ إيران في القرن الثالث الميلادي أوسع معنى من لفظ إيران أو فارس في هذه الأيام. فقد كانت، كما يدل اسمها "الآريين"، وكانت تشمل أفغانستان وبلوخستان، وسنجديانا، وبلخ والعراق. ولم تكن فارس، وهي الاسم القديم لإحدى الولايات الحديثة، إلا جزءاً صغيراً يقع في الجنوب الشرقي من هذه الإمبراطورية، ولكن اليونان والرومان الذين لم يكونوا يعنون بشؤون "البرابرة" أطلقوا اسم الجزء على الكل. وكان يخترق إيران في وسطها من الجنوب الشرقي لجبال هملايا إلى الشمال الغربي لجبال القفقاس حاجز جبلي