للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالحروف الهجائية التي كانت بها الأنغام علامات رمزية؛ ويبدو أن أمبروز هو الذي جاء بهذه العلامات إلى ميلان، وأن هيلاري Hilary هو الذي أدخلها في غالة، وجيروم في روما. وألف رومانس Romanus، الراهب اليوناني في أواخر القرن الخامس ألفاظ الترانيم التي لا تزال حتى الآن جزءاً من الطقوس الدينية اليونانية ولحنها؛ وليس ثمة ما يضارع هذه الترانيم في عمق الشعور وقوة التعبير. وكتب بؤيتيوس مقالاً في الموسيقى لخص فيه نظريات فيثاغورس وارستكسنوس Aristoxenus وبطليموس. وقد ظلت هذه الرسالة تدرس في جامعتي أكسفورد، وكمبردج يوم كنا نحن طلاباً (٤٣).

وبعد، فإن من واجب الإنسان أن يكون شرقياً إذا شاء أن يفهم الفن الشرقي على حقيقته. وإن المعنى الجوهري الذي يدركه العقل الغربي من النزعة البيزنطية هو أن الشرق قد سرى في قلوب اليونان وتغلغل في أفئدتهم: في الحكومة الأتوقراطية، وفي الطبقات المتدرجة الثابتة، وفي ركود العلم والفلسفة، وفي الكنيسة الخاضعة لسلطان الدولة، والشعب الخاضع لسلطان الدين، وفي الثياب الفخمة والحفلات العظيمة، والطقوس الدينية ذات الألفاظ الطنانة الرنانة والمناظر الرائعة، والنغمات الموسيقية الساحرة المتكررة التي تستحوذ على نفوس؛ وتغمر الحواس بفيض من الألوان البراقة؛ وأخضع الطبيعة للخيال، والفن التمثيلي للفن الزخرفي. ولقد كان من شأن الروح اليوناني القديم أن يجد هذا كله غريباً عنه لا يطيقه، ولكن بلاد اليونان نفسها وقتئذ جزءاً من الشرق. وغلبت على العالم اليوناني كلالة أسيوية فيه في الوقت الذي كانت بلاد الفرس المتجددة الحيوية، وكانت قوة الإسلام العظيمة التي لا يكاد العقل يدرك مداها، نقول في الوقت الذي كانت هذه وتلك تنازعانها حياتها نفسها.