الحروب الصليبية قد أضعفتا من قوتهما، في الوقت الذي زاد فيه انهيار الإمبراطورية من قوة إنجلترا وفرنسا، كما أثرت فرنسا باستيلائها على لانجويدك بمساعدة الكنيسة ولربما تكشف الأدلة التي قدمت ضد بنيفاس، صادقة كانت أو كاذبة، عن تيار التشكك الذي كان يجري في الخفاء على عصر الإيمان. وكذلك تدل الصفعة - المادية أو السياسية - التي وجهت إلى بنيفاس في أناني بمعنى من معانيها على بداية "العصر الحديث": فقد كانت انتصاراً للقومية على ما فوق القومية، وللدولة على الكنيسة، ولقوة السيف على سحر الكلام. ذلك أن كفاح الكنيسة ضد آل أهوهنستوفن وإخفاق كانت مناصرة الشعب لفليب الرابع على بنيفاس الثامن دليلا على غضب هذا الشعب من غلو محاكم التحقيق والحملة الصليبية الألبجنسية، فقد قيل إن محاكم التحقيق حرقت بعض آباء نوجارت (١٠٨)، ولم يكن بنيفاس يدرك، وهو يتورد في هذه المنازعات الكثيرة، أن أسلحة البابوية قد تثلمت من الإفراط في استخدامها، ثم إن الصناعة والتجارة قد أنشأتا طبقة من الناس أقل تقوى من طبقة الزراع، وأن الحياة والتفكير قد نزعا نزعة غير دينية، وأخذت الطبقات العلمانية تدرك أهميتها، وقبل أن تمضي سبعون سنة كانت الدولة قد طوت الكنيسة تحت جناحيها.
وإذا ما ألقينا نظرة شاملة على المسيحية اللاتينية، كان أهم ما ينطبع في ذهننا منها هو ما بين شعوبها المختلفة من وحدة نسبية في العقيدة الدينية، وانتشار سلطان الكنيسة الرومانية الواسع ورجالها في كل مكان انتشاراً أكسب أوربا