الغربية - أوربا غير الصقلية، وغير البيزنطية - وحدة في فعل العقل والأخلاق لم ير لها مثيل بعد ذلك الوقت. ولسنا نعرف في التاريخ كله نظاماً في غير هذه الرقعة من الأرض كان له هذا الأثر العظيم في مثل هذا العدد من الناس ولمثل هذا الزمن الطويل. فقد دام سلطان الجمهورية الرومانية والإمبراطورية الرومانية على أملاكهما الواسعة من أيام بمبي ألى أيام ألريك Alaric أربعمائة وثمانين عاما، ودامت إمبراطورية المغول والإمبراطورية البريطانية نحو مائة عام، أما الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فقد ظلت صاحبة السلطة العليا في أوربا من موت شارلمان (٨١٤) إلى موت بنيفاس الثامن (١٣٠٣) أي ٤٨٩ عاماً. ويبدو أن تنظيمها وإدارتها لم يبلغا من الكفاية ما بلغاه في الإمبراطورية الرومانية، كذلك لم يؤت رجالها من القدرة والثقافة مثل ما أوتي الرجال الذين حكموا الولايات والمدن للقياصرة، ولكن الكنيسة ورثت خليطاً من الهمج المسلوبي العقول، وكان عليها أن تبذل الجهود المضنية لتشق لها طريقاً تعود به إلى بسط النظام ونشر التعاليم. ولقد كان رجالها، رغم هذه الظروف، خير الرجال تعلماً في ذلك العصر، وكانوا هم الذين قدموا للناس في أوربا الغربية التعليم الوحيد المستطاع في خلال القرون الخمسة التي كان لها فيها السيادة والسلطان. وكانت محاكمها تقدم للناس أعدل ضروب العدالة في أيامها. فكانت المحكمة البابوية، المرتشية تارة والنزيهة تارة أخرى، إلى حد ما، محكمة عالمية تحكم في فض المنازعات الدولية، وتضييق نطاق الحروب. ولسنا ننكر أن هذه المحكمة كانت على الدوام مسرفة في نزعتها الإيطالية، ولكن عقول الإيطاليين كانت في تلك القرون أحسن العقول تدريباً، وكان في وسع أي إنسان أن يرقى إلى عضوية تلك المحكمة من أية طبقة، ومن أية أمة في العالم المسيحي اللاتيني.
ولقد كان من الخير أن يكون فوق دول أوربا وملوكها، رغم أساليب الخداع التي تلجأ إليها عادة السلطة البشرية الجماعية، سلطة عليا تستطيع محاسبة