حسبنا هذه التهم العجيبة شاهداً على أن الدمقراطية الضيقة التي كانت قائمة تحت سلطان دكتاتورية بركليز المزعومة كانت دمقراطية حقة. ومن واجبنا أن ندرس هذه الدمقراطية بعناية لأنها تجربة من أبرز التجارب في تاريخ الحكم. ولقد كان يحد منها أولاً أن أقلية صغيرة من الأهلين كانت هي التي تستطيع القراءة، ويحد منها من الوجهة الطبيعية صعوبة الوصول إلى أثينة من المدن القاصية في أتكا. هذا إلى أن حق الانتخاب كان مقصوراً على من ولد من أبوين أثينيين حُرَّين، وبلغ الحادية والعشرين من العمر. وكان هؤلاء وأسرهم دون غيرهم هم الذين يستمتعون بالحقوق المدنية أو يتحملون مباشرة أعباء الدولة الحربية والمالية. وفي داخل محيط هذه الدائرة التي تضم ٠٠٠ ر ٤٣ من المواطنين يحرصون على ألا تشمل غيرهم من سكان أتكا البالغين ٠٠٠ ر ٣١٥، كانت السلطة السياسية في عصر بركليز موزعة من الناحية الشكلية توزيعاً متكافئاً، فكان كل مواطن يستمتع، ويصر على أن يستمتع، بكل ما يستمتع به غيره من حقوق أمام القانون وفي الجمعية الوطنية. ولم يكن "المواطن" في نظر الأثيني هو الذي يقترع فحسب، بل كان هو الذي يشغل بالقرعة إذا جاء دوره على مر الأيام منصب الحاكم أو القاضي، ويجب أن يكون حراً، مستعداً لخدمة الدولة حين تناديه، وقادراً على خدمتها. ولا يخفى أنه ليس في مقدور إنسان خاضع لغيره، أو مضطر إلى الكدح ليحصل على قوته، أن يجد من الوقت أو من المقدرة ما يمكنه من