كتب هوراس ولبول من باريس في ١٧٦٥ يقول "إن المؤلفين في كل مكان" وأنهم "أسوأ من كتاباتهم، ولست أقصد بهذا ثناء على الكتاب أو ما يكتبون (٣٤) " ولا ريب في أن ذلك العصر لم يكن ليضارع في الأدب عصر فولتير وراسين؛ ولا عصر هوجو وفلويير وبلزاك، ففي هذه الفترة القصيرة بين ١٧٥٧ و١٧٧٤ ليس لدينا من الكتاب الجديرين بالذكر سوى روسو ومارمونتيل، والجمرات الحية من نار فولتير، وغليان ديدرو الدفين غير المنشور. ذلك أن الرجال والنساء أسلموا أنفسهم بقوة للحديث حتى كلت قرائحهم قبل أن يعتادوا الكتابة. وانقضى زمان العقل الأرستقراطي، واستأثرت الفلسفة والاقتصاد والسياسة بالجو، وتغلب المضمون الآن على الشكل. لا بل إن الشعر نزع إلى الدعاية. فقد قلدت قصيدة سان-لامبير "الفصول"(١٧٦٩) جيمس طومسن، ولكنها نددت بالتعصب والترف تنديداً في غير أوانه، وتمثلت الشتاء-كما تمثله الملك لير-عواصف ثلجية تقصف حول أكواخ الفقراء.
ويدين جان-فرنسوا مارمونتيل في صعود نجمه لدهائه، وللنساء، ولفولتير. ولد في ١٧٢٣ز وقد كتب في شيخوخته "مذكرات أب"(١٨٠٤) وهي تعطينا صورة رقيقة لطفولته وشبابه. ومع أنه اعتنق الشكوكية وكاد يعبد فولتير، إلا أنه لم يذكر إلا بالخير أهله الأتقياء الذين ربوه، واليسوعيين العطوفين المخلصين الذين علموه. وقد أحبهم حباً جماً حمله على أن ينذر نفسه لله، وتطلع إلى الانضمام إلى رهبنتهم، وعلم في مدارسهم بكليرمون وتولوز. ولكنه كالكثيرين من أفراخ اليسوعيين، طار بعيداُ على أجنحة التنوير، وفقد على الأقل عذريته الفكرية. وفي ١٧٤٣ قدم أبياتاً من شعره على فولتير فاستمتع بقراءتها أيما استمتاع، وأرسل إلى مارمونتيل مجموعة من أعماله صححها بيده. واحتفظ الشاعر الشاب بها ميراثاً مقدساً. وأقلع عن كل تفكير في احتراف القسوسة، وبعد عامين حصل له فولتير على وظيفة في باريس، وعلى إذن بدخول التياتر-فرانسيه مجانا، لا بل