١٨٠١. وفي ذلك العام عرض عليها رجل يدعى المواطن دوبواربيه غراماً أخيراً. فثبطت عزيمته بخطاب مؤلم يلخص مأساة الكثير من الممثلات العجائز. قالت "لعل ذاكرتك ما زالت تتخيلني مشرقة، فتية، محاطة بكل مظاهر سمعتي الماضية. ولكن عليك أن تراجع أفكارك. فأنا لا أكاد أبصر، وسمعي ثقيل ولم يعد لي أسنان، ووجهي كله غضون، وجلدي الذي جف بالجهد ليكسو هيكلي الضعيف (٣٢) ". ومع ذلك أتى وعزى أحدهما الآخر باسترجاع ذكرى شبابهما. ثم ماتت عام ١٨٠٣ إثر سقوطها من فراشها.
وكانت قد خلفت ورائها منذ سنين طويلة الدراما المأساوية الكلاسيكية التي أشاد فولتير، أعظم كتابها في القرن الثامن عشر، بكليرون معبرة عنها لا ضريب لها. فقد أتخم جمهور باريس، وكثرتهم من الطبقة الوسطى، بالخطب المسجوعة يلقيها الأمراء، والأميرات، والملوك، وبدت تلك البحور "الإسكندرية" بحور كوريني وراسين التي تمشي مختالة على ست أقدام (أي تفاعيل) -بدت الآن رمزاً للحياة الأرستقراطية، ولكن أليسَ في التاريخ سوى النبلاء؟ بلى بالطبع. ورجل كموليير أبرز هؤلاء من قبل، ولكن في الملهاة، أفليسَ هناك مآسِ من المحن العميقة والمشاعر النبيلة في بيوت وقلوب البشر الذين تجردوا من الألقاب؟ ورأى ديدرو أن قد آن أوان درامات البرجوازيين، وقال أنه إذا كان النبلاء قد تجنبوا العاطفية، واشترطوا إلباس المشاعر قناعاً مهيباً، فإن على الدراما الجديدة أن تطلق الوجدان من عقاله وألا تخجل من إثارة أشجان الجمهور وإدرار دموعه. وهكذا كتب هو وغيره من بعده "مسرحيات باكية".
يضاف إلى هذا أن العديد من كتاب المسرحيات الجدد لم يكتفوا بتصوير حياة الطبقة الوسطى والإشادة بها، بل هاجموا النبلاء، والكهنة، وحتى الحكومة آخر الأمر-هاجموا فسادها، وضرائبها، وبذخها، وإسرافها، ولم يقتصروا على التنديد بالاستبداد والتعصب (فقد أجاد فولتير هذا التنديد من قبل) بل امتدحوا الجمهوريات والديمقراطية، ولقيت تلك الفقرات أشد الاستحسان من النظارة (٣٣) وشارك المسرح الفرنسي عشرات القوى الأخرى في الإعداد للثورة.