غير أن هوتن كان قد سمح بتداول النسخة الخطية لقصيدته الهجائية بين الخاصة، ووصل ذلك إلى علم أرازموس ودفعه هذا إلى الانضمام إلى رجال الدين في بازيل في طلبهم بإلحاح من مجلس المدينة إقصاء الهجاء الحانق، وبعث هوتن بقصيدته "تحذير" إلى المطبعة وانتقل إلى مولهاوس. وهناك تجمع حشد من الغوغاء. وهاجم البيت الذي لاذ به، ففر مرة أخرى، وقبض عليه زونجلى في زيورخ (يونية ١٥٣٣)، وقال المصلح الديني وهو هنا كريم خير أكثر من عالم الإنسانيات "انظروا … إلى هذا المخرب، انظروا إلى هوتن الرهيب، الذي نراه مغرماً جداً بالناس وبالأطفال؛ إن هذا الفم الذي تهم منه أعاصير على البابا لا ينفث غير الرقة والطيبة"(٨٣). وفي غضون ذلك رد أرازموس على "تحذير" في رسالة كتبها على عجل وعنوانها Spongia Erasmi advrsus aspergimes Hutteni، ( أي إسفنجة أرازموس على مطاعن هوتن) وكتب إلى مجلس المدينة في زيورخ محتجاً على "أكاذيب" هوتن التي تحدث بها عنه وأوصى بنفي الشاعر (٨٤). ولكن هوتن كان يحتضر وقتذاك، فقد أنهكته حرب الأفكار وأتلف الزهري صحته وأطلق زفرته الأخيرة (٢٩ أغسطس سنة ١٥٢٣) فوق جزيرة في بحيرة زيورخ، بالغاً من العمر خمساً وثلاثين عاماً، وهو لا يملك من حطام الدنيا سوى ملابسه وقلمه.
[٤ - أرازموس: حاشية على آرائه]
(١٥١٧ - ٣٦)
إن رد الفعل عند أرازموس بالنسبة إلى الإصلاح الديني يثير مناقشة حامية بين المؤرخين والفلاسفة. ترى أية طريقة خير للبشرية - هجوم لوثر المباشر على الكنيسة أم سياسة أرازموس التي تعتمد على المصالحة السلمية والإصلاح الديني على درجات؟ إن الإجابات تكاد تحدد نمطين من الشخصية: هما المحاربون "ذوو العقول الجامدة" الذين يعتصمون بالعمل والإرادة، والمهادنون "ذوو العقول المرنة في الفكر والشعور". لقد كان لوثر رجل عمل أساساً. وكانت أفكاره قرارات وكتبه أفعالاً. وكان تفكيره في