للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثاني

[فيثاغورس الكروتوني]

كان عمر كروتونا أطول من عمر سيبارس؛ فقد أنشئت في عام ٧١٠ ق. م. ولا تزال حتى الآن تعج بالصناعة والتجارة بعد أن تغير اسمها إلى كروتون. وقد كان مرفؤها المرفأ الطبيعي الوحيد بين تاراس وصقلية، ولم تكن تعفو عن السفن التي تفرغ بضائعها في سيبارس. وقد بقي فيها من التجارة ما يكفي لكي يعيش أهلها عيشة هنيئة لينة، كما أن هزيمتهم الموفقة في الحرب، وكساد تجارتهم زمناً طويلاً، وجو بلادهم المنعش، ومزاجهم الدوري المتزمت بعض الشيء، كل هذه الظروف مجتمعة قد جعلتهم يحتفظون بنشاطهم وقوتهم رغم ثرائهم العظيم. وفي هذه المدينة نشأ الرياضيون المشهورون أمثال ميلو Milo، كما نشأت أعظم مدرسة طبية في بلاد اليونان الكبرى (Magna Greca) (١) .

ولعل اشتهار كروتونا بأنها ملجأ صحي حبب إلى فيثاغورس المجيء إليها. ومعنى فيثاغورس هو "الناطق الفيثي" بلسان مهبط الوحي في دلفي، وكان كثيرون من أتباعه يرون أنه هو أبلو نفسه، ويدعي بعضهم أنه أبصر وميض فخذه الذهبية (١٧). وتقول الروايات المتواترة إنه ولد في ساموس حوالي عام ٥٨٠، وتتحدث عن جده في صباه. وتعزو إليه أنه صرف ثلاثين عاماً في الأسفار. ويقول عنه هرقليطس، وهو الرجل الشديد الاقتصاد في مدحه إن "فيثاغورس كان أكثر الباحثين مثابرة" (١٨). ويروى عنه أنه زار بلاد العرب، وسوريا، وفينيقية، وكلديا، والهند، وغالة، وعاد يلقي على الرحالة حكمة غالية جديرة بالإعجاب هي قوله: إذا كنت مسافراً في خارج بلادك فلا


(١) هذا هو الاسم الذي كان الرومان يطلقونه على المدن اليونانية في جنوب إيطاليا. (المترجم)