قلما كان الرومان في تلك العصور يحتاج إلى الطب، لأن حياته النشيطة في الزراعة والجندية تكسبه صحة وقوة. وكان يجدُّ في فلح الأرض كما يجد اليوناني في خوض عباب البحر؛ وكانت الزراعة أساس حياته، يقيم المدن لتكون مجتمعاً للزراع يتبادلون فيها محصولات أرضهم، وينظم جيوشه ودولته على أساس استعداده للدفاع عن أملاكه وتوسيع رقعتها، ويفكر في آلهته على أنها أرواح الأرض الحية والسماء المغذية.
ونجد الملكية الفردية قائمة في رومه من أقدم العصور المعروفة (٥٠)؛ على أن بعض الراضي كانت تعد من الأملاك العامة ager publicus التي تستولي عليها الدولة عن طريق الفتح وتحتفظ لنفسها بملكيتها. وكانت أسرة الزراع في عهد الجمهورية الباكر تمتلك فدانين أو ثلاثة أفدنة، يشتغل فيها جميع أفرادها وعبدها إن كان لها عبد، وتعيش عيشة متقشفة على ما تنتجه من الغلات. وكانوا يفترشون القش (٥١)، ويصحون من نومهم مبكرين، ويخرجون إلى عملهم ونصف جسمهم العلوي عار من الملابس، ليحرثوا الأرض ويمهدوها خلف ثيران تسمدها بفضلاتها، وتتخذ لحومها قرابين دينية وطعاماً في الأعياد والولائم. وكانت فضلات الآنية تتخذ هي الأخرى سماداً، ولكن المخصبات الكيمائية كانت نادرة في إيطاليا قبل عهد الإمبراطورية. وقد استورد في ذلك العهد كتباً في الزراعة العملية من بلاد اليونان ومن قرطاجنة. وكانت الأرض تزرع حباً ثم خضراً، ثم تترك من حين إلى حين لتكون مراعي حتى لا يستنفد خصبها. وكانت الفاكهة والخضر موفورة، وكانت بعد البقول أهم غذاء للأهلين، وكان