إذا انتقلنا من أرض اليونان مجتازين بحر إيجة إلى المستقرات اليونانية في آسية ومصر أدهشنا أن نجد فيها حياة جديدة مزدهرة، وأدركنا أن العصر الهلنستي لم يشهد سقوط الحضارة اليونانية بل شهد انتشارها. ذلك أن طوائف في إثر طوائف من الجنود والمهاجرين اليونان أخذت تتدفق على آسية، وزادت فتوح الإسكندر من ضخامة هذه الطوائف بما أتاحت للمغامرات اليونانية من فرص وما مهدت لها من سبل جديدة.
وكان سلوقس الملقب "بنيكاتور" Nicator (المظفر) يمتاز من بين قواد الإسكندر بالشجاعة، وقوة الخيال، والكرم الذي لا حد له. وحسبك دليلاً على هذا الكرم أنه وهب زوجته الثانية استرتنيسي Stratonice الحسناء لابنه دمتريوس لما عرف أن الغلام قد افتتن بها. وغضب أنتجونس الثاني حين جعلت بابل من نصيب سلوقس فزحف بجيوشه ليستولي على جميع بلاد الشرق الأدنى، ولكن سلوقس وبطليموس هزماه عند غزة (٣١٢). وكانت الأسرة السلوقية تعد هذه الحادثة مبدأ لتاريخ الإمبراطورية السلوقية والعصر الجديد، وهي طريقة في التأريخ بقيت في غرب آسية إلى ظهور الإسلام. وضم سلوقس تحت لوائه عدة ممالك وثقافات قديمة هي عيلام، وسومر، وفارس، وبابل،