للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآشور، وسورية، وفينيقية؛ وشملت آسية الصغرى وفلسطين في بعض الأحيان، وأنشأ في سلوقية وأنطاكية عاصمتين لملكه كانتا أعظم ثروة وأكثر سكاناً من أية مدن عرفناها في بلاد اليونان الأصلية. واختار لسلوقية موضعاً قرب موضع مدينة بابل القديمة التي شُيدت فيه بغداد فيما بعد، لا يبعد إلا قليلاً عن ملتقى نهر دجلة والفرات؛ وكان هذا الموضع من أصلح المواضع لاجتذاب التجارة المتبادلة بين أرض الجزيرة والخليج الفارسي وما وراءه. ولم يكد يمضي عليها نصف قرن من الزمان حتى بلغ عامرها ٦٠٠. ٠٠٠ نفس، كانوا خليطاً من مختلف أجناس آسية تسيطر عليها أقلية يونانية (١). وكان موقع أنطاكية على نهر العاصي شبيهاً بموقع سلوقية، ولم تكن تبعد عن مصبه بعداً يحول دون وصول السفن المحيطة إليها، ولكنها تبعد عنه بعداً يجعلها في مأمن من هجوم الأساطيل المعادية، ويمكنها من استغلال حقول وادي النهر الغنية، ومن اجتذاب تجارة البحر الأبيض المتوسط وشمالي الجزيرة وسوريا. وفي هذه المدينة شاد الأباطرة السلوقيون المتأخرون قصورهم، وظلت المدينة تنمو وتزدهر حتى صارت في عهد أنتيوخوس الرابع أغنى مدائن آسية السلوقية. تزينها المعابد والأروقة المعمدة، ودور التمثيل، وساحات الألعاب الرياضية، والمدارس، وحدائق الأزهار، والشوارع الواسعة ذات المناظر الرائعة، والبساتين الجميلة ومنها حديقة دفني Daphne التي طبقت الخافقين شهرة ما بها من أشجار الغار والسرو، والفوارات والجداول.

واغتيل سلوقس الأول في عام ٢٨١، وبعد أن حكم البلاد حكماً صالحاً دام خمساً وثلاثين سنة كسب فيها قلوب شعبه. وأخذت دولته بعد موته في التفكك،


(١) وقد استخرج الأستاذ لروي ووترمان Leroy Waterman من هذا الموضع في عام ١٩٣١ ألواحاً تدل على أن رجلاً من أغنى رجال سلوقية قد ظل يتهرب من أداء الضرائب خمساً وعشرين سنة.