للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمين الرزين، المجد الشريف؛ بل هو الرجل الذي يحارب ببسالة وكفاية. وليس الرجل الطالح هو الذي يدمن الشراب، ويكذب، ويقتل ويغدر، بل هو الجبان الغبي أو الضعيف. لقد كان ثمة نِتْشيون قبل نتشه، وقبل ثرازمكس Thrasymachus بزمن طويل، في فجاجة العالم الأوربي وصلابته.

[٣ - الرجال والنساء]

كان المجتمع الآخي مجتمعاً أبوياً استبدادياً، يمتزج به جمال المرأة وغضبها بحنان الأبوة وحبها القويين (١). وكان الأب من الوجهة النظرية صاحب السلطان الأعلى، وكان له أن يتخذ من السراري ما يشاء (٢)، وأن يقدمهن لضيوفه، وأن يضع أطفاله على قمم الجبال ليموتوا أو يذبحهم قرباناً للآلهة الغضاب. وهذه السلطة الأبوية المطلقة لا تستلزم حتماً أن يكون المجتمع الذي تسوده مجتمعاً وحشياً، بل كان ما تعنيه أن هذا المجتمع لم يبلغ نظام الدولة فيه مبلغاً يكفي لحفظ النظام الاجتماعي، وأن الأسرة فيه تحتاج في خلق هذا النظام الاجتماعي إلى القوى التي آلت فيما بعد إلى الدولة حين أممت حق القتل. وكلما تقدم التنظيم الاجتماعي وارتقى نقص سلطان الأب، وتفككت وحدة الأسرة، ونمت الحرية والفردية. ولقد كان الرجل الآخي في الحياة العملية رجلاً معقولاً في أغلب الأحوال، يصغي في صبر وأناة إلى فصاحة أهل منزله ويخلص إلى أبنائه.

وكان مركز المرأة في نطاق هذا الإطار الأبوي أرقى في بلاد اليونان


(١) لدينا آثار تدل على وجود مجتمع قبل ذلك العهد كانت السيادة فيه للأم. من ذلك ما تقوله الرواية الأثينية من أن "الأطفال" قبل سكربس Cecrops لم يكونوا يعرفون آباءهم؛ ولنا أن نستنتج من هذا أن الأطفال كانوا ينتسبون إلى أمهم. بل إننا نرى في الأيام الهومرية نفسها أن الآلهة التي كانت تعبدها المدن اليونانية بصفة خاصة كانت نساء: هيرا في أرجوس، وأثينة في مدينة أثينة، ودمتر وبرسفوني في إليوسيس Ilausis. ولسنا نرى هذه الإلهات تخضع لإله ذكر.
(٢) لقد كان لثسيوس زوجات بلغن من الكثرة درجة لم يحاول معها مؤرخ أن يترك لنا إحصاء لهم موثوقاً به.