ما فتئت الشرائع والحكم الأخلاقية في كل عصر من العصور تقاوم ما درج عليه الآدميون من غش وخيانة. ولم يكن الناس في العصور الوسطى الطيب منهم والخبيث أكثر أو أقل من غيرهم في هذه الناحية، فكانوا يكذبون على أبنائهم وأزواجهما وطوائفهم، وأعدائهم، وأصدقائهم، وحكوماتهم، وريّهم، كان الرجل في العصور الوسطى مولعاً أشد الولع بتزوير الوثائق، يزور الأناجيل غير الصحيحة، ولعله لم يقصد في يوم من الأيام أن تؤخذ على أنها أكثر من قصص طريفة، ويزور الأوامر البابوية ليتخذها سلاحاً في السياسة الدينية، وكان الرهبان الأوفياء يزورون العهود ليكسبوا بها منحاً لأديرتهم من الملوك (٥٨). ولقد زور لافرانك رئيس أساقفة كانتربري، كما تقول المحكمة البابوية، عهداً يثبت به قدم كرسيه الديني (٥٩)، وزور المدرسون عهوداً يخلعون بها بعض الكليات في كيمبردج أقدمية زائفة، وكثيراً ما أفسدت "الأكاذيب التقية" النصوص، واخترعت ألف معجزة تعظم بها أصحابها. وكانت الرشوة منشرة في التعليم، والتجارة، والحرب، والدين، والحكومة، والقانون (٦٠) وكان تلاميذ المدارس يرسلون الفطائر لممتحنيهم (٦١)، ورجال الحكم يقدمون الرشا ليعينوا في المناصب العامة، ويجمعون من أصدقائهم ما يلزمهم من المال (٦٢). وكان من المستطاع تقديم الرشا للشهود لكي يقسموا أي قسم يراد منهم، كما كان المتقاضون يقدمون الهدايا إلى المحلفين والقضاة (٦٣)، وقد اضطر إدوارد ملك إنجلترا أن يفصل معظم قضاته ووزرائه في عام ١٢٨٩ لأنهم مرتشون (٦٤).