للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الرّابع

[الحكومة]

كانت الحكومة الإسلامية في الثلاثين السنة التي تلت وفاة النبي جمهورية ديمقراطية من الوجهة النظرية بالمعنى الذي كان مفهوماً من هذه العبارة في الزمن القديم، وهو أن يشترك جميع الذكور الراشدين في اختيار رأس الدولة وتحديد سياستها. أما من الناحية العملية فقد كان الذين يختارون أمير المؤمنين ويرسمون سياسة الدولة فئة قليلة من أعيان المدينة. ولم يكن ينتظر شيء غير هذا بطبيعة الحال، ذلك أن الناس يختلفون في ذكائهم وفي ضمائرهم، ولهذا فإن الديمقراطية في أحسن صورها لا بد أن تكون نسبية، ولا محيص من أن تنشأ صورة ما من صور الألجركية في المجتمعات التي لا تتيسر فيها سبل الاتصال والتي تقل فيها نسبة المتعلمين. وإذ كانت الحرب والديمقراطية لا تجتمعان معاً، فإن اتساع رقعة البلاد الإسلامية قد ساعد على قيام حكم الفرد، لأن وحدة الرياسة والإسراع في اتخاذ القرارات لا بد منها لقيام السياسة الحربية الاستعمارية. ولهذا أضحت الحكومة في عهد الأمويين ملكية صريحة، الخلافة فيها إما وراثة وإما أن تقررها قوة السلاح.

كذلك كان منصب الخليفة من الوجهة النظرية منصباً دينياً أكثر مما كان منصباً سياسياً. فقد كان الخليفة قبل كل شيء رئيس مجتمع ديني هو مجتمع المسلمين، وكان واجبه الأول الدفاع عن الدين، ولهذا كانت الخلافة حكومة دينية خاضعة لحكم الله عن طريق الدين. لكن الخليفة لم يكن بابا أو قساً، ولم يكن في مقدوره أن يصدر قرارات جديدة في الشؤون الدينية. ومع هذا فقد كان من الوجهة العملية ذا سلطان مطلق لا يحد منه برلمان، ولا طبقة وراثية من