كان في شمال سوريا مملكة كمجيني Commagene التي كانت في أول الأمر منضمة للإمبراطوريّة الرومانية ثم أصبحت فيما بعد ولاية من ولاياتها؛ وكانت عاصمتها سموساتا Samosata التي قضى فيها لوشيان أيام طفولته، آهلة بالسكان. وكان في الناحية الأخرى من نهر الفرات مملكة أسرهوني Osrhoene الصغيرة؛ وقد حصّنت روما عاصمتها إذسا Edessa (أروفة) لتكون قاعدة لها ضد بارثيا؛ وسنسمع الكثير عنها في عصر المسيحية، وإذا اتجه المسافر غرباً من سوريا انتقل إلى قليقية (كما ينتقل الآن إلى تركيا) عند الكسندريا إسي Alexandria Issi (الإسكندرونة). وكانت هذه الولاية، وهي ولاية شيشرون، ذات حضارة راقية تمتد على الساحل الجنوبي لآسية الصغرى، ولكنها في جزئها الواقع على جبال طوروس لم تكن قد خرجت بعد من طور الهمجية. ولم تكن حاضرتها طرسوس "بالمدينة الحقيرة" كما يقول ابنها القدّيس بولص بل كانت تشتهر بمدارسها وفلاسفتها.
وكان أمام قليقية في البحر الأبيض المتوسط جزيرة قبرص تعمل كما كانت تعمل من أقدم الأزمنة في استخراج النحاس، وقطع أشجار السرو، وبناء السفن، وتتلقى صابرة ضربات الفاتحين، وكانت مناجمها الغنية مُلكاً لروما تستغلّها على أيدي الأرقاء. ويصف جالينوس في أيامه منجماً انهارَ على مَن فيه وقضى على حياة مئات من العمال- وتلك حادثة تتكرر آناً بعد آن في الأسس الجيولوجية لقوى الإنسان وأسباب راحته.