وكان إلى شمال قليقية ولاية كبدوكيا الجبلية القاحلة، الغنية بمعادنها النفيسة، والتي تنبت القمح وتربي الماشية والعبيد لتصدّرها إلى خارجها. وكان إلى غربها ولاية ليكاؤنيا Lycaonia التي يبدأ تاريخها بزيارات القدّيس بولص لدربي Derbe وليسترا Lystra وأيكونيوم Iconium، وفي شمال هذا الإقليم نجد جلاتيا Galatia التي استوطنها الغاليون وأطلقوا عليها هذا الاسم في القرن الثالث قبل الميلاد، وكان أهم ما أخرجته هو حجر بسينس Pessinus الأسود الذي أُرسل إلى روما ليكون رمزاً لسيبيل، وكانت أهم مُدنها في ذلك الوقت مدينة أنقورة Ancyra، (أنقرة) التي كانت عاصمة الحثيين منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، والتي صارت عاصمة تركيا في هذه الأيام. وكان في ولاية بيسيديا Pisidia الواقعة غرب قليقية خمس مُدن جميلة مثل زنثوس التي كانت وقتئذ قد بدأت تستفيق من الإنتحارات الكثيرة قبل بروتس، وأسبندس Aspendus التي احتفظت بملهاها إلى درجة يسهل على الإنسان معها أن يتصوّره وقد امتلأ مرة أخرى ليستمع إلى متندر أو يوريديز.
وكان في شمال بيسيديا وغربها ولاية "آسية" بأقسامها الأربعة: فريجيا، وكاريا، وليديا، وميزيا Mysia. وكانت حضارة أيونيا لا تزال مزدهرة في هذه الولاية بعد أن بدأت فيها منذ ألف عام، وقد استطاع فيلوسترانس أن يحصي فيها خمسمائة بلدة يبلغ مجموع سكانها أكثر مما تكفيهم موارد الإقليم كلها في هذه الأيام. وكان ريفها خصباً وكانت الصناعات قد ازدادت دقة جيلاً بعد جيل، وكانت الثغور قد أفادت من قيام الأسواق الغنية في إيطاليا، وأفريقية، وأسبانيا، وغالة. ولقد كان فريجيا بلاداً جبلية، ولكنها كانت تزهو بمُدنها الكبيرة كأبميا سيليني Apamea Celenae- التي يقول أسترابون إنها لا يفوقها إلا أفسيس في "آسية"- ولؤديسيا التي أسعدها الحظ بفلاسفتها وأثريائها المحسنين الخيرين. وكانت نيدس Cuidus لا تزال على قدر من الغنى يمكنها من