يلتقي الدين والفلسفة في أعلى درجاتهما في معنى وحدة الكون وفي تأمل هذه الوحدة. والنفس حين لا تسلك طريق البحث على منهاج العقل والمنطق، وحين تعجز عن الانتقال من الكثرة إلى الوحدة، ومن الحادث الفرد إلى القانون العام، قد يكون في وسعها أن تصل إلى هذه الرؤيا عن طريق اندماج النفس الفردية وتلاشيها في النفس الكلية. وحيث عجز العلم وعجزت الفلسفة، وحيث يرتد عقل الإنسان القاصر المحدود أمام اللانهائية خاسئاً وهو حسير، فإن الإيمان قد يسمو بالإنسان إلى ما بين عرش الله إذا أخذ نفسه بنظام صارم من الزهد، والتقشف، والتفاني في العبادة، والتجرد من كل رغبة أنانية، وإفناء الجزء في الكل إفناءً كاملاً.
ويرجع التصوف الإسلامي إلى أصول كثيرة: منها نزعة الزهد عند الفقراء الهندوس، وغنوطسية ومصر والشام، وبحوث الأفلاطونية الجديدة عند اليونان المتأخرين، وتأثير الرهبان المسيحيين الزاهدين المنتشرين في جميع بلاد المسلمين وقد وجدت في العالم الإسلامي، كما وجدت في العلم المسيحي، أقلية تقية تعارض في تكييف الدين حسب وسائل العالم الاقتصادي ومصالحه؛ فكانوا ينددون بترف الخلفاء، والوزراء، والتجار، ويدعون المسلمين أن يعودوا إلى بساطة أبي بكر وعمر بن الخطاب. وكانوا يرفضون فكرة وجود وسيط أياً كان بينهم وبين الله؛ وحتى فروض الصلاة الصارمة نفسها كانت تبدو لهم عقبة تحول بينهم وبين تلك المرتبة التي تسمو فيها الروح بعد أن تتطهر من جميع مشاغلها الدنيوية حتى تشاهد ذات الله العلية. فإذا سمت فوق هذه المرتبة استطاعت أن تتحد