للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع ذات الله نفسها. وازدهرت حركة التصوف في بلاد الفرس بنوع خاص ولعل سبب ازدهارها فيها فربها من بلاد الهند، كما ازدهرت في جنديسابور بتأثير الديانة المسيحية وتقاليد الأفلاطونية الجديدة التي وضعها فلاسفة اليونان بعد أن فروا من أثينة إلى فارس في عام ٥٢٩. وكلمة صوفي التي تطلق على معظم الزهاد المسلمين مشتقة من ثياب الصوف البسيطة التي كانوا يرتدونها (١). وكانت طوائف الصوفية تضم كثيرين من المؤمنين بمبادئها المتحمسين لها، ومن كبار الشعراء، والقائلين بوحدة الوجود، والزهاد، والمشعوذين، والكثيري الزوجات. وكانت مبادئهم تختلف باختلاف الأوقات والبيئات؛ ويقول ابن رشد إن الصوفيين يعتقدون أن معرفة الله مستقرة في قلوبنا، بعد أن نتخلى عن الشهوات الجسمية والانقطاع إلى الله (٧٨). ولكن كثيرين من الصوفيين حاولا أن يصلوا إلى الله عن طريق الأشياء الخارجية أيضاً، فقالوا أن كل ما نراه في العالم من كمال وجمال سببه حلول الله فيه. ويقول أحد الصوفية إنه لا يسمع صوت الحيوان، أو حفيف أوراق الشجر، أو خرير الماء، أو تغريد الطير، أو هبوب الريح، إلا أحس أنها كلها شواهد على وحدانيتهِ وأنه سبحانه لا شبيه له (٧٩).

والحق أن الصوفي يعتقد أن هذه الأشياء المتفرقة إنما توجد بما فيها من القوة الإلهية، وأنها إنما وجدت لما هو كامن فيها من روح الله. وعلى هذا فالله هو كل شيء، وهم لهذا لا يكتفون بالقول بأنه لا إله إلا الله، بل يضيفون إلى هذا أنه لا موجود بحق سواه (٨٠). وعلى هذا فكل نفس هي الله؛ والصوفي الكامل يجهر في غير مواربة بأنه "هو نفس الذات الإلهية". ويقول أبو زيد (حوالي عام ٩٠٠): "إني أنا الله لا إله إلا أنا فأعبدني" (٢). ويقول الحسين


(١) في كتاب الأستاذ رينولدا. نيكولسون ترجمة الدكتور أبو العلا عفيفي فصل قيم في سبب هذه التسمية فليرجع إليه من يريد التوسع في هذا البحث. (المترجم)
(٢) يقول الأستاذ نيكلسون إن في نسبة هذه الأقوال إلى أبي يزيد بعض الشك. انظر ترجمة الدكتور أبو العلا عفيفي السالفة الذكر. (المترجم)