في عام ١٥٤٣ نشر أندرياس فيساليوس كتاباً قال عنه السر وليم أوسلر إنه أعظم ما كتب في الطب قاطبة (٥٣). كان أبوه أندرياس فيسل صيدلياً غنياً في بروكسل، وجده طبيباً لماري البرجندية ثم لزوجها مكسمليان الأول، أما جده الأكبر-وكان طبيباً-فقد كتب تعليقاً على كتاب ابن سينا "القانون". هنا نجد حالة من الوراثة الاجتماعية تفوق حالة أسرة باخ. وما لبث فيساليوس أن أغرم بالتشريح بعد أن درب عليه منذ نعومة أظفاره. "فلم ينج من مبضعه حيوان. فهو يشرح الكلاب والقطط والجرذان والفيران والخلدان تشريحاً غاية في الدقة (٥٤) " غير أنه لم يهمل الدراسات الأخرى. ففي الثانية والعشرين من عمره حاضر في اللاتينية، وكان يقرأ اليونانية في يسر. ثم درس التشريح في باريس (١٥٣٣ - ٣٦) على جاك دويوا الذي أطلق على كثير من العضلات والأوعية الدموية أسماءها التي ما زالت تحملها إلى اليوم. وظل فيساليوس طويلاً، كأساتذته، يؤمن بجالينوس إنجيلاً له، ولم يفقد احترامه له قط، ولكنه كان يحترم سلطان المشاهدة والمناقشة أكثر كثيراً. وقام هو وبعض زملائه الطلبة برحلات كثيرة إلى مستودعات جثث الموتى حيث جمعت العظام المستخرجة من جبانة الأطفال، وهناك ألفوا منظر أجزاء الهيكل البشرى ألفة أتاحت لهم كما روي "أن نجرؤ أحياناً، حتى ونحن معصوبو الأعين، على مراهنة رفاقنا، وخلال نصف ساعة لم تكن تقدم لنا عظمة … إلا وعرفناها باللمس (٥٥) ". وحدث غير مرة في محاضرات دوبوا أن كان المشرح الشاب الجريء يزيح "الحلاقين الصحيين" الذين كان الأستاذ الطبيب يكل إليهم عادة مهمة التشريح الفعلي، ويقوم هو بعرض الأعضاء موضوع المحاضرة عرض خبير (٥٦).