إذا نظرنا إلى الحروب الصليبية من حيث أغراضها المباشرة التي دارت رحالها من أجلها قلنا إنها أخفقت لا محالة. ذلك أنه بعد أن دامت هذه الحروب قرنين من الزمان بقيت بيت المقدس في أيدي المماليك، وقل عدد الحجاج المسيحيين إلى تلك المدينة وزادت مخاوفهم. يضاف إلى هذا أن الحكومات الإسلامية التي كانت من قبل تمتاز بالتسامح مع أصحاب الأديان الأخرى قد ذهب عنها تسامحها بسبب الهجمات المتكررة على بلادها، ولم يبق في أيدي المسيحيين ثغر واحد من ثغور فلسطين والشام التي انتزعوها من قبل لتستقبل التجارة الإيطالية، وأثبتت الحضارة الإسلامية أنها أرقى من الحضارة المسيحية في رقتها، وأسباب راحتها، وتعليمها وأساليبها الحربية. يضاف إلى هذا كله أن الجهود الكبيرة التي بذلها البابوات لنشر لواء السلم على ربوع أوربا بتوجيهها إلى غرض واحد قد تحطمت بفعل المطامع القومية، وحروب البابوات "الصليبية" على الأباطرة.
ولم يفق الإقطاع مما أصابه من إخفاق في الحروب الصليبية إلا بأشد الصعاب. ذلك أن الذي كان يوائم النظام الإقطاعي هو المغامرات والبطولة الفردية في أضيق نطاق، ولهذا لم تعرف كيف توفق بين أساليبها الخاصة وبين مناخ الشرق والحرب في الميادين النائية، وأخطأت خطأ لا يغتفر لها في حل مشكلة التموين في خط مواصلاتها الطويل؛ ثم إنها قد استنفدت في تلك الحروب ما لديها من عتاد، وفقدت روحها المعنوية حين لم تقو على فتح بيت المقدس المسلمة بل فتحت بيزنطية المسيحية. وكان كثيرون من الفرسان قد باعوا أملاكهم أو رهنوها للمرابين