أو الكنيسة أو الملوك ليحصلوا على المال اللازم للحروب؛ وتخلوا من أجل المال عما كان لهم من حقوق في كثير من المدن القائمة في أملاكهم، وأعفوا كثيرين من الفلاحين من الضرائب والالتزامات الإقطاعية المستقبلة بأثمان عاجلة، وأفاد آلاف من أرقاء الأرض من الامتيازات التي هيأتها لهم الحروب الصليبية بأن تركوا الأراضي التي كانوا يعملون فيها، ولم يرجع آلاف منهم إلى الضياع. وبينا كانت الثروة الإقطاعية والأسلحة الإقطاعية تتحول نحو الشرق، كان سلطان الملوك الفرنسيين يقوى وثراؤهم يزداد، فكانت هذه القوة والزيادة من أهم آثار الحروب الصليبية. وضعفت في الوقت عينه قوة الإمبراطوريتين الرومانيتين الشرقية والغربية: فقد ضاعت هيبة أباطرة الغرب لعجزهم عن استرداد الأرض المقدسة، ولنزاعهم مع البابوية التي أعلت شأنها الحروب الصليبية. أما الدولة الشرقية، فلم تستعد قط ما كان لها في سابق عهدها من قوة وشهرة، رغم مولدها الجديد في عام ١٢٦١. ولكن الحروب الصليبية قد أفادت العالم الغربي هذه الفائدة: وهي أنه لولاها لاستولى الأتراك على القسطنطينية قبل عام ١٤٥٣ بزمن طويل، ذلك أنها أضعفت قوة المسلمين أنفسهم وجعلتهم أقل مقاومة لتيار المغول الجارف.
وحلت الكوارث ببعض المنظمات العسكرية. من هذا أن فرسان المعبد الذين نجوا من مذبحة عكا وفروا إلى قبرص، وانتزعوا في عام ١٣١٠ رودس من المسلمين، واستبدلوا باسمهم القديم اسم فرسان رودس، وظلوا يحكمون الجزيرة حتى طردهم منها الأتراك في عام ١٥٢٢، فانتقلوا منها إلى مالطة وأصبحوا فرسان مالطة، وظلوا باقين حتى حل نظامهم في عام ١٧٩٩. أما الفرسان التيوتون فقد نقلوا مقرهم الرئيسي بعد سقوط عكا إلى مارينبوج Marienburg في بروسيا التي انتزعوها من الصقالبة وضموها إلى ألمانيا. وأعاد فرسان المعبد تنظيم صفوفهم في فرنسا بعد أن أخرجوا من آسيا؛ وإذ كانت لهم أملاك واسعة غنية في جميع أنحاء