لو أننا أحطنا هذه الشخصيات البارزة بأضواء أقل من أضوائها لطمسناها وأخفيناها عن أعين الناظرين. ذلك بأنه لم يخلفها في الآداب اللاتينية الوثنية جبابرة أمثالها، لأن العقل قد بذل كل ما كان يدخره من جهد من عهد إنيوس إلى عهد تاستس حتى لم يبق لديه جهد مدخر. ولهذا فإنا نصدم أكبر صدمة حين ننتقل من عظمة كتابي التواريخ والحوليات إلى كتاب ستونيوس المزري المسمى حياة الرجال النابهين (١١٠). ففي هذا الكتاب ينحط التاريخ حتى يصبح مجرد سير، وتنحط السير حتى تصير قصصاً. وتمتليء صفحات الكتاب بالنذر، والمعجزات، والخرافات. ولم يرفع الكتاب إلى منزلة الكتب الأدبية إلا الأسلوب الإليصاباتي الذي ترجمه به فليمون هليند Philemon Holland (١٦٠٦) . وأقل من هذا إثارة للاشمئزاز الانحدار من رسائل بلني إلى رسائل فرنتو. ولعل هذه الرسائل الأخيرة لم يكن يقصد نشرها، وليس من العدل لهذا السبب أن نفاضل بينها وبين رسائل بلني. لكننا يجدر بنا أن نقول إن بعضها قد أفسده جرى الكاتب وراء العبارات العتيقة، وإن كان في الكثير منها شيء من العطف الحقيقي الذي يشعر به المعلم نحو تلميذه. وقد أيد أولس جليوس Aulus Gellius حركة الرجوع إلى العبارات العتيقة في كتابه الليالي الأتكية (١٦٩) - وهو أكبر مجموعة من السخافات الحقيرة التافهة في الأدب القديم؛ ووصل أبوليوس Apuleius بهذه الحركة إلى غايتها في كتابه المسمى الحمار الذهبي. وقد جاء أبوليوس وفرنتو من أفريقية وربما كان من أسباب نشأة