للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الهواية أن الأدب اللاتيني في تلك البلاد لم يكن قد اختلف عن لغة الشعب والجمهورية بقدر اختلافه عن هذه اللغة في رومة. وكان فرنتو قوي الاعتقاد بأن من الواجب أن يقوى الأدب بلغة الشعب، كما يجدد الإنسان قوة النبات بتقليب الأرض عند جذوره. لكن الشباب لا يعود قط إلى حياة الرجل، أو الأمة، أو الأدب أو اللغة (١). لقد كانت النزعة الشرقية قد بدأت تدب في هذه الكتب، ولم يكن من المستطاع وقف سيرها. وكانت اللغة اليونانية العامية المنتشرة في الشرق الهلنستي ورومة المستشرقة تصبح شيئاً فشيئاً لغة الأدب، ولغة الحياة جميعاً. وقد اختارها تلميذ فرنتو ليكتب بها تأملاته، وكما اختار أبيان Appian، وهو يوناني اسكندري اتخذ رومة موطناً له، اللغة اليونانية ليكتب بها كتابه الواضح الساطع في تواريخ حروب رومة (حوالي ١٦٠)؛ وكذلك فعل كلوديوس إيليان Claudius Aelian. وهو رجل روماني المولد والدم، وكتب ديوكاسيوس، وهو رجل روماني من أعضاء مجلس الشيوخ، بعد نصف قرن من ذلك الوقت، تاريخاً لرومة باللغة اليونانية. ذلك أن زعامة الأدب قد أخذت وقتئذ تعود من رومة إلى الشرق اليوناني، على أن هذه العودة لم تكن عودة إلى الروح اليونانية الأصيلة، بل إلى الروح الشرقية، وإن كانت تستخدم اللغة اليونانية. لقد وجد في الأدب اليوناني بعد هذا الوقت جبابرة، ولكنهم كانوا قديسين مسيحيين.

وكان اضمحلال الفن الروماني أبطأ من اضمحلال الآداب اليونانية. ذلك أن الكفاية الفنية قد طال عهدها وأخرجت طائفة قديرة من المباني، والتماثيل، والصور، والفسيفساء. ومن أمثلة تحف ذلك العصر رأس نيرفا المحفوظ في


(١) لا شك أن قياس حياة الأمة، والأدب، واللغة بحياة الفرد قياس مع الفارق، وأن القول بأن شبابها إذا ولى لا يعود قط لا يستند إلى أساس علمي صحيح؛ فكثيراً ما رأينا شباب الأمم والآداب يتجدد ويعود أقوى مما كان. "المترجم"