سنرجئ إلى باب آخر بحثنا في دين الشعب وأخلاق رجال الدين، ولكننا نلاحظ في هذا الفصل ظاهرتين مختلفتين من ظواهر الحياة المسيحية في إيطاليا خلال القرن الرابع عشر هما محكمة التفتيش والقديسون. والإنصاف يقتضينا أن نذكر أن الكثرة الغالية من المسيحيين كانت تعتقد وقتئذ أن الكنيسة التي أقامها أبن الله، وأنه هو الذي وضع عقائدها الأساسية، ومن ثم فأن أية حركة تقوم للقضاء عليها- أياً كانت الأخطاء التي يرتكبها الآدميون الذين يصرفون شئونها-إنما هي خروج على السلطة القدسية وخيانة للدولة الزمنية التي كانت الكنيسة درعها الأخلاقي الواقي. وإذا لم تثبت هذه الفكرة الأساسية في عقولنا لم نستطع فهم تلك الوحشية التي دفعت رجال الدين وغير رجال الدين إلى الاشتراك معا في القضاء على دعوة الإلحاد التي أثار عجاجها (حوالي عام ١٣٠٣) دلتشينو النوفاري Dolcino of Novara وأخته الحسناء مرجريتا Margherita.
وقد قسم دلتشينو التاريخ، كما قسمه يواقيم الفلوري Joachim of Flora إلى فترات شهدت الفترة الثالثة منه الممتدة من عهد البابا سلفستر الأول (٣١٤ - ٣٣٥) إلى ١٢٨٠ فساد الكنيسة بسبب ما كان لها من ثراء دنيوي. ويقول دلتشينو إن البابوات جميعا من أيام سلفستر كانوا غير مخلصين إذا استثنينا منهم سلستين الخامس Celestine وكان الرهبان بندكت، وفرانسس، ودمنيك قد بذلوا محاولات نبيلة لتخليص الكنيسة من عبادة المال وإعادتها إلى عبادة الله، ولكنهم أخفقوا في هذه