صبرت أكتافيا على هجرها صبر الكرام، وعاشت ساكنة هادئة في بيت أنطونيوس في رومه، تربي أطفاله الذين رزقهم من فلفيا وابنتيها منه. وكان منظرها المحزن أمام أكتافيان في كل يوم، وصمتها الفصيح، يثيران كوامن غضبه، ويؤكدان له أنه هو إيطاليا جميعاً مقضي عليهما إذا نجح أنطونيوس في خططه، فاخذ يعمل على أن تدرك إيطاليا حقيقة الموقف، تدرك أن انطونيوس قد تزوج ملكة مصر، وأنه وهبها هي وأطفالها غير الشرعين أكثر ولايات الإمبراطورية خراجاً، وأنه سيضع رومه وإيطاليا بأجمعها في المقام الثاني بعد مصر.
ولما بعث أنطونيوس برسالة إلى مجلس الشيوخ- وكان قد تجاهله سنين طوالاً- يقترح فيها أن يعتزل هو وأكتافيان الحياة العامة، وأن تعود جميع النظم الجمهورية إلى سابق عهدها، تخلص أكتافيان من هذا الموقف الحرج بأن قرأ على المجلس ما ادعى أنه وصية لأنطونيوس انتزعها هو قسراً من العذارى الفستية، وفيها يوصي أنطونيوس بأن يكون ولداه من كليوبطرة وريثيه دون غيرهما، ويأمر بان يدفن إلى جانب الملكة في الإسكندرية (١٤). وكانت الفقرة الأخيرة من هذه الوصية حاسمة في نظر المجلس بقدر ما كان يجب أن تكون مثيرة للارتياب في صحتها. ذلك أنها لم تثر في نظر المجلس الشك في أن وصية تودع في رومه تشترط هذه الشروط، بل أقنعته وأقنعت إيطاليا أن كليوبطرة تستخدم أنطونيوس في خططها التي تبغي بها الاستيلاء على الإمبراطورية. ولجأ أكتافيان إلى الأساليب الخداعة التي هي من أخص خصائصه، فأعلن الحرب (٣٢) على كليوبطرة لا على أنطونيوس، ليجعلها بذلك كفاحاً مقدساً في سبيل استقلال إيطاليا.