مات فن التمثيل القديم قبل بداية العصور الوسطى، لأنه انحدر إلى تمثيليات هزلية ماجنة ثم حلت محله استعراضات للألعاب؛ وكانت تمثيليات سنكا وهرسويذا Hroswitha حركات رياضية لا أكثر، ويبدو أنها لم تجد سبيلها إلى المسرح. وبقيت بعد ذلك ناحيتان من نواحي النشاط التمثيلي تصلان الماضي القديم بالزمن الذي تلا العصور الوسطى: أولاهما مناظر المحاكاة التي كانت تجري في الأعياد الزراعية، وثانيتهما التمثيليات الهزلية التي كان يمثلها المغنون الجوّالون والمهرّجون في أبهاء القصور أو ميادين القرى (١٢).
ولكن اشهر منابع التمثيل في العصور الوسطى هي الطقوس الكنسية شأنها في هذا شأن اليونان القديمة. فالقداس نفسه منظر تمثيلي، والحرم المقدس مسرح مقدس، وكان القساوسة القائمون بخدمة القداس يلبسون حللاً رمزية؛ ويقومون هم وخدم الكنيسة بالحوار. وأناشيد القساوسة والمرتلين المتبادلة، والمرتلين بعضهم مع بعض، توحي بأن التمثيل تطور من الحوار الذي نشأت منه المسرحية الديونيسية. وفي الاحتفالات التي كانت تقام في بعض الأعياد المقدسة نشأ العنصر التمثيلي نشأة واضحة صريحة؛ فقد كان الناس في بعض الطقوس الدينية التي تقام في يوم عيد الميلاد في القرن الحادي عشر يدخلون الكنائس في زي رعاة الغنم ويحييهم غلام "ملاك" من المغنين بقوله: "أخبار سارّة"، ويتعبّدون أمام صورة طفل من الجبس في مذود. ثم يدخلون ثلاثة "ملوك" من باب في الجهة الشرقية ويقودهم إلى المذود نجم يُجرّ على سلك (١٣). وكانت بعض الكنائس تمثل في