المقدسة. نعم إن في وصف المطهر كثيراً من الفقرات التعليمية المجدية، وإن فيه على الدوام قدراً كبيراً من اللاهوت الذي لا حاجة للقصيدة به، ولكنها وقد خلت في هذا النشيد من رهبة التعذيب ترثى في مدارج الجمال والحنان خطوة بعد خطوة، وتغمر هذا الرقي بجو من جمال الطبيعة الذي عاد إليها من جديد فأكسبها بهجة وطلاوة، وبذلك تتأهب القصيدة لأن تضطلع بشجاعة بذلك الواجب العظيم واجب إحاطة بياتريس المجردة من الجسد بالجمال الروحاني، وبفضلها يدخل دانتي الجنة مرة أخرى، كما دخلها في أيام شبابه.
[٤ - السموات]
لقد كان تفقه دانتي في علوم الدين مما زاد عمله مشقة؛ فلو أنه أجاز لنفسه أن يصور الجنة في صورة حديقة مليئة بالمباهج الجسمية كما هي مليئة بالمباهج الروحية، لوجدت فطرته مجالاً واسعاً لهذا التصوير. ولكن كيف يستطيع العقل البشري وهو "المركب المادي"، أن يتصور جنة ذات نعيم روحي خالص؟ يضاف إلى هذا ان نشأة دانتي الفلسفية كانت تمنعه أن يصور الله أو ملائكة الجنة وقديسها بصورة مجسدة؛ بل كان تمثلهم جميعاً كأنهم صور ونقط من نور؛ وكان تصويرهم بهذه الصورة تتبعه تجريدات تضيع في الفراغ النوراني حياة الجسد المذنب وحرارته. غير أن العقيدة الكاثوليكية كانت تعترف بعث الجسم بعد الموت؛ ولهذا فإن دانتي وهو يحاول أن يكون روحانياً يخلع على بعض سكان الجنة ملامح جسدية وينطقهم كلام بشري؛ وممّا يسر له الإنسان أن يقرأ لبياتريس، وهي في الجنة قدمين جميلتين.
ولقد نَفَّذ الصورة التي صور بها الجنة في خياله تنفيذاً متناسقاً يدعو إلى الدهشة، ونَفّذها بخيال رائع، وتفاصيل دقيقة واضحة. واسترشد بفَلَك بطليموس فصوّر السماء كأنها سلسلة من تسع كرات مجوفة مطردة الاتساع تدور حول الأرض؛