وقد عنف الكثيرون من الفرنسيي فولتير على تملقه للملكية، وشعروا أنه حط من قدره باللف حول العروش والتشدق بمديح أصحابها. ولا ريب في أن هذا اللف كان أحياناً يدير رأسه. ولكنه هو أيضاً كان يلعب لعبة دبلوماسية. فهو لم يدع قط العواطف الجمهورية، وقد ذهب غير مرة إلى أن قدراً من التقدم يمكن تحقيقه بفضل الملوك "المستنيرين" أكثر مما يتحقق بسيطرة الجماهير المتقلبة، الجاهلة، التي تتسلط عليها الخرافة. ولم يخض الحرب ضد الدولة بل ضد الكنيسة الكاثوليكية، وكان تأييد الحكام في تلك المعركة عوناً قيماً. وقد رأينا قيمة ذلك التأييد في حملاته الظافرة دفاعاً عن أسرتي كالاس وسيرفنس. وكان أهم في نظره أن يكون فردريك وكاترين في صفه وهو يناضل في سبيل التسامح الديني. كذلك لم ييأس من كسب لويس الخامس عشر، فقد كسب من قبل مدام دبومبادور وشوازيل؛ ثم خطب ود مدام دوباري. ولم يكن يتورع عن شيء في استراتيجيته، والواقع أنه قبل أن ينتهي العهد استطاع الظفر بنصف حكومة فرنسا، وتكللت معركة التسامح الديني.
[٣ - فولتير السياسي]
ما الذي أمل أن يحققه في ميدان السياسة والاقتصاد؟ لقد ثبت بصره على هدفين، هدف أعلى وآخر أدنى: الأعلى تحرير الناس من الخرافات اللاهوتية وسلطان الكهنة-وهي مهمة عسيرة ولا ريب، وفيما عدا ذلك طلب بعض الإصلاحات، ولكنه لم يطمع في المجتمع المثالي. وكان يبتسم سخرية من "أولئك المشرعين الذين يحكمون الكون .... ومن أبراجهم يصدرون الأوامر للملوك"(٥٦). وكان معارضاً للثورة شأن جماعة الفلاسفة كلهم تقريباً، ولعله لو عمر حتى يشهدها لصدمته-وربما أعدمته بالجلوتين (١). أضف إلى هذا أنه كان غنياً غنى فاحشاً، وما من شك في أن ثراءه لون آراءه.
(١) أنظر وصف روبسبيير للموسوعيين: "أما فيما يتصل بالسياسة، فإن هذه الجماعة توقفت عند حقوق الشعب ...... وقد عارض زعماؤها الاستبداد أحياناً، وكان يغذيهم الطغاة، كانوا أحياناً يكتبون المقالات عن الملوك، وأحياناً الإهداءات تكريماً لهم، وكانوا يدبجون الخطب للحاشية، والقصائد الغنائية للمحظيات" (٥٧).