شهد دقلديانوس، وهو هادئ في قصره بدلماشيا، فشل الاضطهاد والحكومة الرباعية، ذلك أن الإمبراطوريّة لم تشهد قط في أيامها السابقة ما شهدته من الاضطراب بعد نزوله عن العرش. وقد استطاع جليريوس أن يقنع قنستنطيوس بأن يعين سفيرس ومكسمينس دازا "قيصرين"(٣٠٥). وما لبث مبدأ الوراثة أن أخذ يثبت دعواه، فقد رغب مكسنتيوس Maxentius بن مكسميان أن يخلف أباه في سلطانه، وثارت هذه الرغبة نفسها في قلب قسطنطين.
وكان فلافيوس فليريوس قنسطنطينس قد بدأ حياته في نايسس Naissus ابناً غير شرعي لقنسطنطيوس من محظيته الشرعية هلينا، خادمة إحدى الحانات في بيثينيا (٢٧). فلما أصبح قنسطنطيوس قيصراً طلب إليه دقلديانوس أن يتنحى عن هلينا ويتزوج بثيودورا ربيبة مكسميان. ولم يتلقَ قنسطنطين من العلم إلا قليلاً، فقد انخرط في سلك الجندية في سن مبكرة، وأظهر بسالته في الحروب التي قامت ضد مصر وفارس: ولما خلف جليريوس دقلديانوس أبقى الضابط الشاب بالقرب منه ليكون رهينة لديه يضمن به حسن مسلك قنسطنطيوس. ولما طلب إليه قنسطنطيوس أن يرسل إليه الشاب، تلكأ جليريوس في إجابته إلى طلبه وأظهر في ذلك كثيراً من الدهاء ولكن قسطنطين فر من حراسه؛ واخترق أوربا راكباً ليلاً ونهاراً لينضم إلى أبيه في بولوني Boulogne، ويشترك معه في حرب ضد بريطانيا. وكان جيش غالة شديد الولاء لقنسطنطيوس لما كان يتصف به من الرحمة، ولما أبصر ابنه الوسيم، الشجاع، النشط، أحبه حباً جماً؛ ولما مات والده في يورك York (٣٠٦) ؛ لم يكتفِ الجند بأن ينادوا قسطنطين