ونشأ من كدح الشعب وحذقه، ومن أموال الأغنياء الزائدة على حاجتهم، إحياء عجيب للآداب والفنون في القرنين التاسع والعاشر. ذلك أن الدولة وإن ظلت إلى آخر أيام حياتها تسمى نفسها الدولة الرومانية، فإن ما فيها من العناصر اللاتينية إلا القليل منها كان قد اختفى كله تقريباً ما عدا القانون الروماني. فأضحت اللغة اليونانية في الشرق البيزنطي من أيام هرقل هي لغة الحكومة، والأدب، والشعائر الدينية، ولغة الحديث اليومي. وأصبح التعليم له يونانياً، وكان كل حر من الذكور، وكثير من النساء، بل وكثير من الأرقاء، يتلقى قدراً ما من التعليم؛ وأحيا قيصر بارداس Caesar Baradas (٨٦٣) جامعة القسطنطينية التي تركت لتضمحل وتوت، كما تركت الآداب بوجه عام؛ خلال ما حدث من الأزمات في عهد هرقل؛ وذاعت شهرة هذه الجامعة بما كانت تدرسه من المناهج في فقه اللغة، والفلسفة، وعلوم الدين، والهيئة، والرياضة، والأحياء، والموسيقى، والآداب؛ وحتى ليبانيوس الوثني ولوشيان الكافر كانا متعلمين. وكان التعليم في العادة من غير أجر للطلاب ذوي المؤهلات، وكانت الدولة تتكفل بمرتبات المدرسين. وكثرت في البلاد دور الكتب العامة والخاصة، وظلت تحتفظ بروائع المؤلفات اليونانية والرومانية القديمة التي جر عليها النسيان ذيوله في الغرب المضطرب.
وكان انتقال التراث اليوناني في هذا النطاق الواسع منبهاً للعقول ومقيداً لها معاً. فقد كان من جهة مقوياً للتفكير وموسعاً لمداه، ومشجعاً على الخروج من