أساليب البلاغة الوعظية الرتيبة القديمة؛ والجدول الديني. ولكن ثراءه نفسه كان عائقاً له من الابتكار، لأن الابتكار أيسر على الجاهل منه على المتعلم، وكان أهم ما تهدف إليه الآداب البيزنطية أن توائم النساء المثقفات ذوي الفراغ؛ والرجال المثقفين الذين لا يعملون. وكانت هذه الآداب هلنستية لا يونانية؛ ولهذا كانت تطفو على ظاهر الحياة البشرية ولا تتعمق إلى قلبها. وقد اقتصر التفكير بتأثير العادات التي كسبها في مراحله الأولى على دائرة المتمسكين بالدين القويم، وكان محطمو الصور والتماثيل الدينية أتقى من القساوسة وإن كان رجال الكنيسة في ذلك العهد شديدي التسامح إلى حد عجيب.
وشهدت الإسكندرية عصراً آخر من عصور النهضة العلمية شبيهاً بعصرها القديم أخذ فيه العلماء يحللون اللغة، ويبحثون ويلخصون في علم العروض، ويؤلفون الكتب المجملة، والتواريخ العالمية، ويجتمعون المعاجم والموسوعات والدواوين. ففيه (٩١٧) جمع قسطنطين كفالاس Constantine Cephalas الديوان اليوناني. وفيه (٩٧٦) جمع سويداس معجمه الكبير الغزير المادة. وألف ثيوفانيس (حوالي ٨١٤) وليو الشماس (المولود في عام (٩٥٠) تاريخين قيمين لأيامهما والأيام القريبة منها، وألف بولس الإيجيني Paul of Aegine (٨١٥ - ٨٩٠) موسوعة في الطب جمعت بين نظريات المسلمين وتجاربهم وبين ما خلفه للعالم جالينوس وأرباسيوس Oribasius، وتتحدت بلغة تكاد تشبه لغة هذه الأيام عن جراحات لسرطان القلب، وعن البواسير، وعن قنطرة المثانة، واستخراج الحصاة منها، والإخصاء، ويقول بولس إن الإخصاء كان يحدث بطحن خصيتي الأطفال في حمام حار (٢٣).
وكان أعظم العلماء البيزنطيين في هذه القرون الثلاثة معلماً خامل الذكر معدماً يدعى ليو السلانيكي (حوالي ٨٥٠)، لم تأبه القسطنطينية لوجوده حتى دعاه أحد الخلفاء إلى بغداد. ذلك أن أحد تلاميذه أسره المسلمون في حرب من