ولم تكن الحياة الخاصة والعامة، حياة الأفراد وحياة الجماعات، أحد وأقوى ما كانت في إيطاليا القديمة؛ غير أن حوادث هذه الأيام تبلغ من الخطر ومن استنفاد الجهود حداً لا نستطيع معه أن نولي تفاصيل نظام البلديات في عهد القياصرة كثيراً من عنايتنا، ومن أجل هذا لم تعد نظم الحمم المختلفة المميزة أو الحقوق السياسية المتتابعة التي كان الأهلون يعضون عليها بالنواجذ، لم تعد هذه أو تلك جزءاً من ذلك الماضي الحي الذي هو موضوع بحثنا ومثار اهتمامنا.
لقد كان من الخصائص الأساسية للإمبراطورية الرومانية تتألف من مجموعة من دول- المدن تحكم نفسها بنفسها إلى حدٍ ما، وتضم كل منها في مؤخرتها أرضين واسعة تمتلكها وتسيطر عليها، مع أن الإمبراطوريّة كلها كانت مقسمة إلى ولايات. وكان معفي الوطنية في هذه الإمبراطوريّة حب الشخص لمدينته أكثر مما تعني حبه للإمبراطورية. وكان الأحرار في كل مدينة يقنعون في الأحوال العادية بممارسة حقوقهم السياسية المحلية البحتة؛ وقلما كان الذين نالوا المواطنية الرومانية من غير أهل روما يذهبون إلى تلك العاصمة ليعطوا أصواتهم في الانتخابات؛ ولم يكن اضمحلال الجمعيات العامة في العاصمة مصحوباً باضمحلال مماثل له في مُدن الإمبراطوريّة ما تدل على هذا بمبي نفسها. وكان لمعظم البلديات الإيطاليّة مجالس شيوخ Curia- ولمعظم المدن الشرقية مجالس boule' تشريعية- تسن قوانينها وجمعيات comitia ekklesia تختار حكامها؛ وكان ينتظر من حاكم المدينة أن يهب مدينته مبلغاً كبيراً من المال Snmma Honoraria (والكلمة الثانية مشتقة من Honas بمعنى المنصب) نظير تفضلها