عليه بأن يكون حاكماً لها، وقد جرت العادة أيضاً أن يتبرع من حين إلى حين ببعض المال للأغراض أو الألعاب العامة. وإذ كان المنصب لا ينال عليه صاحبه أجراً فإن ديمقراطية الأحرار- أو أرستقراطية الأحرار- قد استحالت في كل مكان تقريباً الجركية يتولاها ذوو المال والجاه.
وظلت البلديات مائتي عام من عهد أغسطس إلى عهد أورليوس في رخاء وازدهار. ولسنا ننكر أن الكثرة الغالبة من أهلها كانت من الفقراء بطبيعة الحال؛ فقد تكفلت الطبيعة والمميزات المختلفة بإيجاد هذه الحال ولكن التاريخ لم يحدثنا قط عن عهد من العهود، قبل هذا العهد أو بعده، فعل فيه الأغنياء للفقراء قدر ما فعله أغنياء هذه المدائن لفقرائها: ذلك أن نفقات إدارة المدينة كلها تقريباً، وما يلزم من المال لتمثيل المسرحيات، وغير ذلك من ضروب التسلية، والألعاب، وتشييد الهياكل، ودور التمثيل، والملاعب؛ ومدارس التدريب الرياضي، والمكتبات العامة، الباسلقات، والقنوات التي تنقل ماء الشرب للمدن، والقناطر والحمامات، وتجميل هذه كلها بالأقواس والأروقة ذات العمد، والصوَر والتماثيل، كانت كلها يتحملها ذوو اليسار. وقد ظل الوطن طوال المائتي عام الأولى من عهد الإمبراطوريّة يدفع أولئك الأقوام إلى التنافس فيما بينهم للقيام بهذه الأعمال الخيرية تنافساً أدى في بعض الأحيان إلى إفلاس عدد من الأسر التي كانت تمولها، أو المدن التي تتكفل بها بعد إقامتها من مال الأغنياء. وقد جرت العادة في أيام القحط أن يبتاع الأغنياء الطعام ويوزعوه من غير ثمن على الفقراء، وكانوا في بعض المناسبات يقدمون لجميع المواطنين؛ ولجميع السكان أحياناً، زيتاً أو خمراً بالمجان، أو يقيمون لهم وليمة عامة، أو يهبونهم قدراً من المال. وخلّدت النقوش الباقية إلى الآن كثيراً من هذا السخاء. فها هو ذا مثر من أصحاب الملايين يهب مدينة ألتينم في فنيشيا ١. ٦٠٠. ٠٠٠ سسترس لإقامة حمامات عامة، وها هي ذي سيدة تشيد هيكلاً ومدرجاً في كسينم Casinum؛