لو سمحنا لأنفسنا بنظرة واحدة أخرى إلى إيطاليا لوجدناها حتى في هذه القيلولة الظاهرية دافئة بالحياة. فسنرى تورين تحتضن الفيري، ولوكا تنشر موسوعة ديدرو، وفلورنسة تزدهر ثانية تحت حكم الدوق الكبير ليوبولد، وميلان تصلح القانون بفضل بيكاريا وبافيا وبولونيا تهتزان طرباً لتجارب فولتا وكلفاني، والبندقية تعاني من سلوك كازانوفا، ونابلي تتحدى البابوية، وروما متورطة في مأساة اليسوعيين، وعشرات من مرابي الموسيقى تصدر الأوبرا ومهرة العازفين ليهدئوا صدر الأقطار المتوحشة عبر الألب. وسنلتقي في إيطاليا بمائة ألف أجني قدموا إليها ليدرسوا كنوزها وليصطلوا بشمسها. ففي هذا العهد وفد إليها جوته بعد أن أرهقه نبلاء قيمار ليجدد شبابه ويروض ربة شعره.
كان انطباع جوته الأول وهو منحدر من الأب إلى فينتسيا ترد نتينا (سبتمبر ١٧٨٦) تأثره بالهواء المعتدل والجو المشرق الذي "يضفي غاية البهجة على مجر الوجود بل حتى على الفقر"(١) ثم هذه الحياة الطليقة: "فالأهالي دائماً خارج بيوتهم وهم لخلو بالهم لا يفكرون في شيء، إلا في أن يحيوا". وظن أن التربة المثمرة لابد أن تجود على هؤلاء القوم البسطاء بحاجاتهم المتواضعة دون إبطاء، ولكن الفقر وعدم وجود الوسائل الصحية في المدن الصغيرة أفزعاه:
"حين سألت النادل عن مكان (لقضاء الحاجة) أشار لي على الفناء قائلاً "ممكن، تحت، في الحوش". فسألته "أين؟ " فقال في لهجة ودية "في أي