لنجاري الأثاث مكان مرموق، حتى أن واحداً منهم حكم عليه بالشنق عقاباً على السرقة صدر العفو عنه لأنه كان "نجاراً فنياً" ماهراً جداً. والرابزين الحديدي المحيط بمقبرة الإمبراطور مكسمليان الأول في انزبروك رائع جداً. وقد صنع أنطون آيزيهوت في ١٥٧٨ آنية للطقوس الكنسية من فضة بلغت من دقة الرسم وغنى الحلية ما يضعها إلى اليوم في قمة الآنية التي من نوعها. وكان الصاغة الألمان مطلوبين في كل مكان، ووجدت أشغالهم سوقاً أوربية لها في غير عناء. وصنعت كئوس الشراب، والأقداح، والأباريق الفضية في عشرات الأشكال المضحكة، وكان في وسع الألمان أن يترنحوا بالخمر يشربونه من طواحين الهواء، والفوانيس، والتفاح، والقردة، والخيل، والخنازير، والرهبان، والراهبات. لقد كانوا يخوضون الحرب اللاهوتية حتى في كئوسهم المتصارعة.
[٥ - المذاهب المتصارعة]
كان ديت أوجزبورج (١٥٥٥) قد وصل بالصراع الديني إلى الديني إلى هدنة جغرافية حول مبدأ "الناس على دين ملوكهم""إقليمه دينه"-أعني أن دين الحاكم في كل دور يفرض ديناً على رعاياه، وعلى المخالفين أن يرحلوا. وكان الاتفاق يمثل قدراً ضئيلاً من التقدم، لأنه أحل الهجرة محل الإعدام، ولكنه اقتصر على اللوثرية والكاثوليكية، وكان من آثار اقتلاع عائلات كثيرة من جذورها اقتلاعاً أليماً زادت الفوضى والمرارة في ألمانيا. وكان ينتظر من السكان أن يغيروا مذهبهم إذ خلف حاكم يدين بأحد المذهبين حاكماً يدين بالمذهب الآخر. وبات الدين مطية وضحية للسياسة والحرب.
أما وقد انقسمت ألمانيا في اللاهوتية على هذا النحو، فإنها لا تقدم قبل حرب الثلاثين خريطة دينية بسيطة: ويمكن القول عموماً بأن الشمال كان بروتستنتياً، والجنوب وأرض الراين كاثوليكيين، ولكن بما أن مبدأ