للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الخامس

[المسيحية تغزو أوربا]

(٥٢٩ - ١٠٥٤)

لم يكن أجل الحوادث في التاريخ الديني لهذه العصور وأعظمها خطراً هو النزاع بين الكنيستين اليونانية واللاتينية، بل كان هو ظهور الإسلام وتحديه للمسيحية في الشرق والغرب على السواء. ذلك أنه لم يكد دين المسيح ثمار انتصاراته على الإمبراطورية الوثنية وعلى الشيع المسيحية الملحدة حتى انتزعت منه أعظم ولاياته عزة على الدين واستمساكاً به، انتزعها منه في يسر مروع دين يحتقر فلسفة الإلهيات المسيحية والمبادئ الأخلاقية المسيحية (١). نعم إن البطارقة ظلوا في كراسيهم بإنطاكية، وبيت المقدس، والإسكندرية بفضل تسامح المسلمين، ولكن مجد المسيحية قد زال من تلك الأقاليم، وكانت المسيحية الباقية فيها مسيحية مارقة قومية فقد قامت أرمينية، والشام، ومصر وسلطات كهنوتية مستقلة تمام الاستقلال عن القسطنطينية وروما. واحتفظت بلاد اليونان بدينها المسيحي لأن الرهبان قد انتصروا فيها على الفلاسفة، وكان الدير العظيم دير لافرا المقدس الذي أقيم على جبل آثوس Mt، Athos في عام ٩٦١ يضارع في عظمته البارثنون بعد أن استحال كنيسة مسيحية. وكان لا يزال بأفريقية في القرن التاسع الميلادي عدد كبير من المسيحيين، ولكنهم كانوا يتناقصون تناقصاً سريعاً تحت حكم المسلمين. أما أسبانيا فقد كان الجزء الأكبر منها في عام ٧١١ قد خرج من أيدي المسلمين، ذلك أن المسيحية ولت وجهها نحو الشمال بعد هزيمتها في آسية وأفريقية وواصلت فتوحها في أوربا.


(١) في هذا القول كثيراً من المغالاة فالإسلام لا يحتقر فلسفة الإلهيات المسيحية ولا المبادئ الأخلاقية المسيحية وإن خالفها في بعض مبادئها وحسبنا دليلاً على هذا قول الله سبحانه وتعالى لنبيه: "وجادلهم بالتي هي أحسن".