واعتكفت ناتاليا مع بطرس في إحدى ضواحي موسكو المسماة بريوربرازينسكي. وحكمت صوفيا البلاد بكفاية. وقد استنكرت عزل النساء في مساكنهن (التيريم أي الحريم terem) ، وظهرت أمام الناس سافرة، ورأست في غير خشية اجتماعات الرجال حيث راح الشيوخ يهزون رءوسهم أسفاً وحسرة على هذه الوقاحة، ولكنها كانت قد تلقت من التعليم أكثر من معظم الرجال المحيطين بها، وكانت ميالة إلى الإصلاح وإلى الأفكار الغربية، واختارت رئيساً لوزرائها، وربما عشيقاً لها، رجلاً افتتن بحياة الغرب. وكان هذا الرجل، وهو الأمير فازيلي جوليتسين، يكتب اللاتينية، ويعجب بفرنسا، ويجمل قصره بالصور وقطع نسيج جوبلان المرسومة، ويقتني مكتبة كبيرة تضم كتباً لاتينية وبولندية وألمانية. والظاهر أن قدوته وتشجيعه كان لهما الفضل في بناء ثلاثة آلاف مسكن حجري بموسكو في سنوات وصايته السبع، في حين كانت كل البيوت تشاد قبل ذلك بالخشب. ويبدو أنه كان يخطط لعتق أرقاء الأرض (١٥). وفي عهده ألغي الاسترقاق بسبب الدين، وكفّت الحكومة عن دفن القتلة أحياء، وألغيت عقوبة الإعدام على التفوه بعبارات التحريض. على أن جهوده في الإصلاح أودى بها فشله في قيادة الجيش، فقد أعاد تنظيمه وقاده مرتين ضد الترك، وفي الحالتين أساء إدارة تموين الجند، فعادوا مهزومين متمردين، وأعطى سخطهم بطرس الإشارة للقبض على زمام السلطة.
[٤ - بطرس يتعلم]
كان يتلقى التعليم من أمه، ومن معلميه الخصوصيين، ومن جولاته في شوارع موسكو. ولم يكن مبكر النضج، ولكنه كان تواقاً إلى العمل، طلعة، ذكياً، بهرته الآلات المجلوبة من الغرب مثل كالساعات، والأسلحة، والأدوات. وهفت نفسه إلى روسيا تنافس الغرب في فنون الصناعة والحرب. وكان يحب لعب الألعاب الحربية مع رفاقه الخشنين-كبناء القلاع، ومهاجمتها، والدفاع عنها. وحلم ببحرية روسية قبل أن يتاح لروسيا الوصول إلى بحر لا يتجمد، فبنى قوارب أكبر فأكبر، حتى اضطر إلى رحلة ثمانين ميلاً من موسكو ليجد في بيرسلافل بحيرة يستطيع أن يعوّم فيها أسطوله الصغير.