للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل الرابع

[نهضة سراقوصة]

كانت سراقوصة طوال القرن الرابع من أكبر المدن اليونانية ثروة وأعظمها قوة، رغم ما كان ينتابها من الاضطرابات السياسية الكثيرة. وكان ملكها ديونيشيوس الأول مجرداً من الضمير، خائناً غداراً، مختالاً مغروراً، ولكنه كان أقدر رجال زمانه في الشئون الإدارية. حوَّلَ هذا الرجل جزيرة أرتيجيا Ortygia إلى قلعة حصينة اتخذها مسكناً له، وسور الطريق الذي يوصلها بأرض القارة، فأصبح مركزه فيها أمنع من عقاب الجو؛ ثم ضاعف أجور الجنود، وقادهم بنفسه إلى انتصارات هينة، فحبب نفسه إليهم وكسب ولاءهم، فاستطاع البقاء على العرش ثمانية وثلاثين عاماً. ولما أن ثبت قواعد حكمه استبدل بسياسة القسوة التي نهجها في بداية أمره سياسة رحيمة استرضى بها الأهلين، وبسط على البلاد حكماً استبدادياً طابعه العدالة والمساواة (١). وأقطع ضباطه وأصدقاءه أجزاء من أحسن الأراضي وأعظمها خصباً، وخص جنوده بجميع المساكن في أرتيجيا والطريق الموصل إليها إلا القليل النادر منها؛ ووزع كل ما بقي من أرض سراقوصة وما حولها على سكان المدينة الأحرار منهم الأرقاء من غير تمييز بينهم. وبهديه وإرشاده ازدهرت سراقوصة، وإن كان قد فرض عليها من الضرائب ما لا يكاد


(١) ولما حكم على فنتياس Phintias (المسمى خطأ بيتياس Pythias) الفيثاغوري بالإعدام لاشتراكه في إحدى المؤامرات، استأذن فنتياس في أن يذهب إلى منزله يقضي فيه يوماً ينظم فيه شئونه. وعرض صديقه دامون Damon (وهو غير دامون معلم الموسيقى لبركليز وسقراط) أن يكون رهينة له حتى يعود، وعرض أن يعدم إذا لم يعد فنتياس. ولكن فنتياس عاد ودهش ديونيشبوس كما دهش تايلون فيما بعد من أن يبلغ الإخلاص بين الأصدقاء هذا المبلغ، فعفى عن فنتياس، ورجاه أن يكون هو زميلاً لهما في هذه الصداقة المتينة.